لماذا تشارك أحزاب المعارضة في انتخابات «النواب» 2020؟
 
 

تبدأ اليوم، الأربعاء، المرحلة الأولى من عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية، التي تجري على مرحلتين٫ تقسم البلاد فيها إلى كتلتين، كل منهما تشمل 14 محافظة. ويُسمح للناخبين المُسجلين داخل مصر وخارجها بانتخاب نوابهم. ويجري الاقتراع على 568 مقعدًا في مجلس النواب عبر نظام انتخابي مختلط، يجمع بين نظامي الفردي والقوائم المغلقة.

ويشمل نظام القوائم أربع دوائر على مستوى المحافظات كافة، تتنافس فيها «القائمة الوطنية الموحدة»، التي يرأسها حزب مستقبل وطن القريب من السلطة إلى جانب ثلاث قوائم أخرى متنافسة تشمل «تحالف المستقلين»، و«نداء مصر»، و«أبناء مصر»، ومعظم المرشحين على تلك القوائم من الشخصيات العامة والمستقلين.

وتترشح «القائمة الوطنية» في الدوائر اﻷربع المخصصة للقوائم على مستوى الجمهورية، فيما ترشح أمامها «نداء مصر» في دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد، ودائرة غرب الدلتا، و«تحالف المستقلين» في دائرة القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، إضافة إلى قائمة «أبناء مصر» في دائرة شرق الدلتا.

أما المقاعد المستقلة التي تبلغ 284 مقعدًا، ويتنافس عليها 4033 مرشحًا، فتشهد تنافس شخصيات قريبة من النظام فيها بدرجات متفاوتة٬ وتشهد في بعض الحالات تنافس أكثر من 50 مرشحًا على مقعدين في دائرة انتخابية واحدة.

وتُجرى المرحلة الأولى للانتخابات في دوائر الفردي في 14 محافظة هي: الجيزة، الفيوم، بني سويف، والمنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة، ومطروح. وفي دائرتين فقط في نظام القائمة هما: دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد، ودائرة قطاع غرب الدلتا، لمدة ثلاثة أيام من 21  إلى 23 أكتوبر بالنسبة لمواطني تلك المحافظات في الخارج، على أن يتبعهم التصويت بالداخل لتلك المحافظات خلال يومي 24 و25 أكتوبر.

في هذا السياق، تشارك بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة، وبعض من يراهنون على ما تبقى من الحركة الديمقراطية في البلاد، في الانتخابات بأشكال مختلفة، ولكن لأسباب متشابهة.

انضم مثلًا الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العدل وحزب الإصلاح والتنمية إلى «القائمة الوطنية الموحدة» التي تعد القائمة الأقرب من السلطات والتي يشارك فيها 13 حزبًا.

في غضون ذلك، أعلن ائتلاف فضفاض من مجموعات غير مقربة من السلطات، الأحد، دعم 20 مرشحًا يتنافسون على مقاعد فردية.

يتوقع بعض أعضاء هذه المجموعات، والذين اختاروا المشاركة في الانتخابات، أن يُطلق سراح بعض المسجونين من أعضاء أحزابهم عقب انتخاب البرلمان الجديد.

وكان قد اعتُقل عدد من أعضاء أحزاب المعارضة والسياسيين المستقلين في صيف 2019 على خلفية تشكيل «تحالف الأمل»، الذي كان يهدف إلى التحضير للانتخابات البرلمانية الحالية، وهم يواجهون تهمة «الانضمام إلى جماعات إرهابية»، من بين تهم أخرى. ومع ذلك، لم يتم تحديد جدول زمني واضح فيما يتعلق بالإفراج المحتمل عن أعضاء الأحزاب هؤلاء.

وفي الوقت نفسه، وفقًا لـ عضو في حزب معارض، هناك قائمة قصيرة بالأسماء التي يبدو الإفراج عنها غير مرجح أكثر من غيرها. وتشمل هذه أسماء السياسيين الشباب والمعروف عنهم قدرتهم على التنظيم وحشد الدعم، ومن لديهم القدرة على حشد «أصوات الاحتجاج»، وهو ما تجلى في تصويت 2019 على التعديلات الدستورية التي أعطت المزيد من الصلاحيات للرئيس والمؤسسة العسكرية.

على جانب آخر، ووفقًا لعبدالعظيم حماد، من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فإن المشاركة في الانتخابات هي تعبير عن حاجة الأحزاب السياسية إلى «البقاء على قيد الحياة» وتجنب «الموت السياسي».

قد يوحي الإعداد للانتخابات الحالية بإمكانية توسيع المشاركة على نحو «محسوب»، كما قال بعض المشاركين في العملية. وبحسب أحد مساعدي مرشح مستقل في صعيد مصر، كانت هناك «تطمينات من الأجهزة الأمنية القائمة على العملية الانتخابية بأن الدولة لن تضع ثقلها وراء العديد من المتنافسين على المقاعد المستقلة».

«أعتقد أن هناك وعيًا لدى النظام بأنه يستطيع الآن التحرك في اتجاه التعددية السياسية بعد أن تغلب على أصعب السنوات التي كان يواجه فيها تهديدات أمنية خطيرة»، يقول المحلل السياسي جمال عبدالجواد. «يبدو أن النظام أكثر ثقة في الوقت الراهن».

ويشير عبدالجواد إلى أن مصدر هذه الثقة ينبع من حقيقة أن القضاء على التهديدات بشن هجمات إرهابية إلى حد كبير، كما أن النظام الحالي قد حصل على دعم المجتمع الدولي.

هناك أيضًا حجة مفادها أن عملية انتخابية أكثر شمولًا على نحو محدود قد تخفف من استياء المواطنين، بحسب اعتقاد بعض كبار المسؤولين التنفيذيين وفق ما ردده بعض من المرشحين الذين على تواصل معهم.

لقد اندلعت احتجاجات على نطاق صغير في القاهرة وصعيد مصر في 20 سبتمبر، والذي يصادف مرور  نحو عام على قيام محمد علي٬ المقاول والفنان الذي يعيش في الخارج وأصبح صوتًا معارضًا٬ بالدعوة للاحتجاجات ضد النظام.

وقال دبلوماسي أوروبي مقيم في القاهرة لـ «مدى مصر»: «أعتقد أن النظام حساس بشكل واضح تجاه تلك المظاهرات، وعلى الرغم من أننا لا نعتقد أنها مهمة بأي شكل من الأشكال، إلا أننا نشعر أنها تثير قلق النظام».

وبحسب مساعد المرشح المستقل في صعيد مصر، فإنهم «يريدون السماح للناس بالتنفيس عن غضبهم في صناديق الاقتراع في بعض الأماكن -خاصة تلك المناطق التي شهدت مظاهرات عشوائية ضد النظام في صعيد مصر، في سبتمبر الماضي».

وقد قال مصدر حكومي مطلع، لـ «مدى مصر»، إن هناك توجيهات للحكومة بتخفيف مجموعة التحركات الأخيرة المتعلقة بإزالة المباني والمنشآت المخالفة، والتي تسببت في بعض الاحتقان العام. «لقد شهدنا تباطؤًا في عمليات الإزالة وشهدنا أيضًا بعض التخفيضات الكبيرة في رسوم التصالح؛ كان هذا بناءً على أوامر رئاسية»، قال المصدر.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، حذر في بداية تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء من أن الدولة لديها القدرة الكافية على إزالة كل مبنى تم تشييده بالمخالفة للقانون، قال لاحقًا إن هذا لا يعني طرد الناس إلى الشارع دون توفير سكن بديل.

لكن بالنسبة لـ أمين اسكندر، عضو حزب الكرامة، الذي اختار عدم المشاركة في الانتخابات، فقد اعتبر أن النظام يحتاج إلى «واجهة سياسية» لسياساته الاجتماعية والاقتصادية التي لم ترق إلى مستوى توقعات الشعب. وبدلاً من وصف الانفتاح النسبي للنظام على الأحزاب البعيدة عنه في الحصول على مقاعد في البرلمان المقبل باعتباره شكلًا من أشكال التعددية السياسية، يصف إسكندر النظام بأنه «غير سياسي».

ومع ذلك، فإن عبدالله السناوي، المُعلق السياسي الذي كان يتمتع في الماضي بتقارب من النظام قبل أن يتم إبعاده بسبب انتقاداته المتكررة، يؤيد أحزاب المعارضة التي لا تزال تتنافس في الانتخابات، مستشهدًا بـ«تكتل 25/ 30» من النواب المستقلين في البرلمان المنتهية ولايته، والدور الذي لعبوه في تحدي بعض السياسات.

ولهذا السبب بالتحديد يشارك نائب محافظة الإسكندرية المستقل هيثم الحريري في الانتخابات الحالية على مقعد فردي: «لمواصلة محاولة توسيع هامش الديمقراطية».

لكن خلال السنوات الخمس التي قضاها في مجلس النواب، يعترف الحريري بالوقت نفسه أنه تعرض للهزيمة، لا سيما في القضايا السياسية الكبرى التي كان يرغب في الدفاع عنها. وأضاف: «مع ذلك، الحصول على شيء أفضل من لا شيء».

وعلى نفس المنوال، يأمل المرشح المستقل، تامر سحاب، أن يتحدى حقيقة تخلي الناس عن السياسة من خلال المشاركة في الانتخابات. يدرك سحاب -العضو المؤسس لحزب الحرية المصري، الذي رأى النور في أعقاب ثورة 2011- أنه ليس من السهل تحفيز الناخبين الذين قرروا التخلي عن المشاركة السياسية. ولكنه يرى أن «عدم المحاولة هو نوع من الانهزامية».

لا يقع سحاب فريسة للأوهام بشأن فرصته في الفوز عندما يتنافس مع مرشحين آخرين لهم صلات وثيقة بالمؤسسة السياسية. لكن بالنسبة له، «عندما نقوم بتضييق الفجوة بين الأصوات التي يحصل عليها المرشح الذي يحظى بدعم غير مشروط من السلطات والأصوات التي يحصل عليها المرشح الذي يعمل بمفرده، فإننا نبعث برسالة مفادها أن هناك ناخبين لديهم وجهات نظر مختلفة، وأنهم يرغبون في أن تُسمع أصواتهم».

تنتهى الانتخابات بمرحلتيها الأولى والثانية وجولات الإعادة في 8 ديسمبر على أن يتم إعلان النتائج بحلول 14 ديسمبر كحد أقصى.

اعلان
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن