في الساعات التي سبقت وصول قوات الدعم السريع إلى مقر الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم في الخامسة من صباح يوم الإثنين الماضي، كانت أجراس الإنذار تُطلق بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد الساعة الثانية صباحًا بفترة وجيزة، نشر تجمع المهنيين السودانيين نداءً عاجلًا للمطالبة بدعم الاعتصام في مواجهة ما وصفه بتزايد «التهديدات والعنف» لفض الاعتصام القائم منذ السادس من أبريل الماضي، والذي لعب دورًا رئيسيًا في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، بعد 30 عامًا من الحكم الاستبدادي.
تصاعدت حالة التأهب القصوى مع اندلاع مناوشات صغيرة الحجم على مدار الأسابيع القليلة الماضية، حيث بدأ الهجوم الأول عندما هاجمت عناصر ترتدي زي قوات الدعم السريع مقر الاعتصام في منتصف مايو؛ نفس اليوم الذي توصلت فيه قوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالبشير إلى اتفاق مبدئي حول خطة انتقالية.
ومع ذلك، فإن عدم الثقة تمتد إلى ما هو أبعد من العنف الراهن إلى عدم الثقة الأجهزة الأمنية والعسكرية لنظام البشير. ولفهم الديناميات المختلفة التي وصلت إلى ذروتها يوم الإثنين وأسفرت عن مقتل 100 شخص على الأقل –وربما يكون هذا العدد أقل من الحقيقي، نظرًا لتواتر روايات عن اعتداءات واسعة النطاق على المستشفيات وعن إلقاء جثث في النيل- تحدث «مدى مصر» إلى مصادر ومحللين وأجرى عملية بحث من أجل إلقاء الضوء على مختلف اللاعبين الذين يقفون خلف التطورات الراهنة على أرض الواقع في السودان، فضلًا عن الجماهير المحتجة.
تعتبر قوات الدعم السريع وقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي» هي المسؤول الأول عن العنف الذي اندلع يوم الإثنين. وتقع المسؤولية على قوات حميدتي، إلى جانب ما وصف بأنه شرطة مكافحة الشغب، في اقتحام الاعتصام. بجانب أن مشاركتهم في العنف والعلاقة مع المجلس العسكري هي جزء من تاريخ طويل من نهج الحكومات السودانية بالاعتماد على الجماعات شبه العسكرية، وتداعيات هذا النهج.
بدأ تشكيل قوات الدعم السريع عام 2013، عندما واجهت حكومة البشير هجمات مستمرة من جانب متمردي دارفور. منح هذا التشكيل الجديد فرصة للحكومة لإعادة هيكلة ميليشيات من أصل عربي، عُرفت باسم الجنجويد ونُشرت لمحاربة القبائل غير العربية في نزاع دارفور عام 2003، ومن أجل إنشاء وحدة شبه عسكرية جديدة مستقلة عن سيطرة موسى هلال. وهلال هو أحد رجال القبائل البارزين وزعيم الجنجويد، ورئيس حرس الحدود السابق. لم يكن مؤيدًا لحكومة البشير وتزايد سخطه بعد قيام قوات الدعم السريع بحملة لـ «نزع السلاح» في دارفور، والتي كانت في الحقيقة محاولة لإعادة توحيد السلطة في يد ميليشيات الجنجويد.
وفي استجابة لطلب من أجهزة الاستخبارات والأمن الوطنية السودانية، جرى دمج ميليشيا حميدتي في القوات المسلحة السودانية في عام 2017. ولكن بدلاً من الحفاظ على التسلسل العادي للقيادة، أصدر البشير مرسومًا لضمان وضعهم تحت قيادته المباشرة.
ويمكن رصد دور حميدتي وقوات الدعم السريع في العديد من الساحات الأخرى. لقد نشر الآلاف من قواته على الحدود مع إريتريا في يناير 2018، عندما زعمت الحكومة أن إريتريا قد تشن هجومًا وشيكًا بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة. كما نُشرت قوات الدعم السريع في شمال السودان على الحدود مع ليبيا، ولعبت دورًا مثيرًا للجدل في مكافحة تدفق اللاجئين الأفارقة عبر ليبيا إلى أوروبا. ذكرت تقارير إعلامية أن الاتحاد الأوروبي منح الشرعية والأموال لقوات الدعم السريع في المقابل، لكن المفوضية الأوروبية نفت مرارًا مثل هذه الادعاءات.
وُلد حميدتي في شمال دارفور عام 1975، واضطر للانتقال إلى جنوب دارفور في عام 1983 بسبب الجفاف والتصحر. عمل تاجرًا للجمال إلى أن أصبح طرفًا في الصراع في دارفور عام 2003 بعد «اتفاق» مع الحكومة، بحسب تصريحاته في مقابلة أجراها في 2016.
منذ بداية الانتفاضة في السودان، نأى حميدتي بنفسه عن البشير. وفي ديسمبر، بعد اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، ألقى خطابًا لقواته في شمال دارفور، شاجبًا النقص في النقد في البنوك والسلع الأساسية الأخرى وانتقد الحكومة لعدم متابعتها للوضع عن كثب.
ووفقًا لشهود عيان، حاصرت مركبات قوات الدعم السريع قصر البشير في الصباح الذي قُبض عليه وطُرد من السلطة. ونأى حميدتي بنفسه كذلك عن التشكيل الأول للمجلس العسكري الانتقالي، قبل اقتراح خطة انتقالية مختلفة عن الخطة التي أعلنها وزير الدفاع عوض بن عوف.
ترجع نشأة قوات الدعم السريع في إلى صراع دارفور، لكنها تحولت إلى نهج سياسي اتبعته الحكومات السودانية المتعاقبة منذ الثمانينيات، ومن بينها فترة رئيس الوزراء صادق المهدي. ويتمثل هذا النهج في اللجوء إلى الجماعات شبه العسكرية من أجل شن هجمات من أجل «مكافحة التمرد» في المناطق الحدودية للبلاد.
وفي ورقة بحثية للمبادرة البحثية المستقلة «سمول آرمز سيرفاي»، وصف جيروم توبيانا هذه السياسة بأنها نوع من «مكافحة التمرد بثمن زهيد». كانت الميليشيات ترضى في البداية بما سلبت من الأراضي والغنائم نظير مشاركتها في النزاعات، ولذلك يبدو أن الاعتماد عليها كان أقل تكلفة للحكومة من الاعتماد على القوات المسلحة السودانية. ولكن، وبمرور الوقت، تزايدت تكلفة المليشيات بعد مطالبها بزيادة المكافآت السياسية والمالية نظير خدماتها.
ولقد أدت المجموعات شبه العسكرية وظيفة أخرى، كما يقول توبيانا.
«تاريخيًا، كانت إستراتيجية الميليشيا دائمًا وسيلة لمواجهة نفوذ القوات المسلحة السودانية، ولقد اسُتخدمت تلك الإستراتيجية من جانب الحركة الإسلامية ومؤخرًا من جانب جهاز الأمن والمخابرات الوطني ومؤسسة الرئاسة»، كتب توبيانا.
كان تجمع المهنيين السودانيين أحد التنظيمات الرائدة التي دعت إلى الإضرابات والاحتجاجات منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية، وهو تحالف نقابي يضم أكثر من 50 نقابة مهنية مختلفة، من بينهم الأطباء والمحامون والصحفيون والمهندسون والصيادلة والمصرفيون، وأكثر من مليون مؤيد، وفقا لقادة التجمع. تأسس التجمع في 2013، لكنه لم يتمكن من ممارسة نشاطه بسبب القيود الأمنية. وبدأ نشاطه فعليًا في أغسطس 2018 بالعمل على الجمع بين مختلف الجمعيات المهنية. ولقد لعب دورًا رئيسيًا في الثورة منذ أن قاد مسيرة 25 ديسمبر في الخرطوم. ومن بين قوى إعلان التحالف من أجل الحرية والتغيير، والذي يضم العديد من تكتلات المعارضة، يبرز التجمع باعتباره الأكثر شعبية وتأثيرًا.
في ثورة 1964التي خلعت الرئيس إبراهيم عبود، ومن بعدها ثورة 1985 التي خلعت جعفر النميري، أدت التحركات والإضرابات العامة التي قادتها الجبهة العامة للمهنيين واتحاد المزارعين والاتحاد العام لنقابات العمال إلى ضغط كبير على قيادة البلاد. في كل من الحالتين. ويمكن اعتبار تجمع المهنيين السودانيين امتدادًا لهذا التاريخ.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا.
اعرف اكتر