المواقع الإلكترونية بين قانونين.. لمن الحجب اليوم؟
 
 

أعطى قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي أصدره الرئيس السيسي في 27 أغسطس الماضي، المجلس الأعلى للإعلام سلطة حجب المواقع والمدونات والحسابات الإلكترونية، ليصبح المجلس الجهة الثالثة التي تملك سلطة الحجب بعد جهات التحقيق أو جهات التحري والضبط، التي مُنحت نفس السلطة في قانون جرائم تقنية المعلومات، الذي أصدره السيسي في 14 أغسطس الماضي، دون أن يحدد القانونان خطوطًا واضحة بين الجهات الثلاثة في ما يتعلق باختصاص كل منها ونطاق سلطة الحجب.

بموجب القانونين الجديدين، أصبح من حق الجهات الثلاثة مخاطبة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، لمطالبة شركات الاتصالات ومزودي الخدمة، بحجب المواقع الإلكترونية، أو منع وصول المستخدمين داخل مصر إليها، على أن يكون للمتضرر اللجوء إلى محكمة الجنايات في حال صدور القرار من النيابة العامة أو الشرطة أو غيرها من جهات الضبط والتحري، أو لمحكمة القضاء الإداري إذا كان من المجلس الأعلى للإعلام.

يضم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ثلاث مواد تحدد الجرائم التي يجوز للنائب العام حجب المواقع خلال التحقيق فيها، فضلًا عن الحالات التي يجوز فيها للشرطة وأجهزة الضبط والتحري، إصدار قرار من تلقاء نفسها بحجب المواقع. ويضم قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أربع مواد تحدد الحالات التي يجوز فيها للمجلس الأعلى للإعلام توقيع عقوبة الحجب على المواقع الإلكترونية أيضًا.

وعرف قانون «جرائم تقنية المعلومات» الموقع بأنه نطاق أو مكان افتراضي له عنوان محدد على شبكة معلوماتية، في حين عرفه قانون «تنظيم الصحافة والإعلام» بأنه «الصفحة أو الرابط أو التطبيق الإلكتروني المرخص له، والذي يقدم من خلاله محتوى صحفي أو إعلامي أو إعلاني، أيًا كان نصيًا أو سمعيًا أو مرئيًا ثابتًا أو متحركًا أو متعدد الوسائط، ويصدر باسم معين وله عنوان ونطاق إلكتروني محدد، وينشأ أو يستضاف أو يتم النفاذ إليه من خلال شبكة المعلومات الدولية».

من جانبه، قال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام مكرم محمد أحمد، إن المواد الخاصة بحجب المواقع في قانون تنظيم الصحافة والإعلام محل دراسة من المجلس، موضحًا لـ «مدى مصر» أنه بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يختص النائب العام بحجب كل المواقع، فمن حقه حجب كل المواقع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو غيرها من المواقع في حال وجود تحقيقات خاصة بتلقيها تمويل لتحقيق أهداف معادية لمصر، لافتًا إلى أن غالبية المواقع المحجوبة في مصر في الوقت الحالي تتبع جماعة الإخوان، على حد قوله.

وفيما يتعلق بسلطة الأعلى للإعلام في الحجب؛ قال مكرم «سلطتي حجب المواقع في حالات بعينها لكن النائب العام يحجب بالجملة».

ويعطي قانون تنظيم الصحافة والإعلام، في مواده (3، 6، 19، 106) للمجلس سلطة حجب المواقع في زمن الحرب أو التعبئة العامة، وفي حالة عدم الحصول على ترخيص منه، أو مخالفة النشاط المرخص له به، كما يعطيه سلطة حجب موقع إلكترونى شخصي، أو مدونة إلكترونية شخصية، أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر، في حال نشر أو بث أخبارًا كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون، أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.

ويقول المحامي حسن الأزهري، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن قانوني الصحافة والإعلام والجرائم الإلكترونية يمكن تطبيقهما على المواقع الصحفية والإعلامية وحتى الحسابات الشخصية للمواطنين على فيسبوك وتويتر وغيرها، موضحًا لـ «مدى مصر» أنه في حال نشر موقع صحفي لمحتوى اعتبرته النيابة العامة مضرًا بالأمن القومي، فسيقع تحت طائلة قانون تقنية المعلومات. فضلًا عن إمكانية حجبه من قبل اﻷعلى للإعلام بموجب قانون الصحافة.

ويعطي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، في المادة السابعة منه، للنيابة أن تأمر بحجب الموقع، متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية، أو ما في حكمها مما يعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتشكل تهديدًا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر.

ويفسر الأزهري الخضوع المزدوج لسلطتي حجب برغبة المشرع في ترسيخ الحجب، وجعله عقوبة متعارف عليها مثل الحبس الاحتياطي من ناحية، ولتشتيت أصحاب المواقع بين الجهات المسؤولة عن الحجب، سواء جهات الضبط والتحري أو النيابة أو المجلس الأعلى للإعلام، من ناحية أخرى.

وهو ما اعتبره الأزهري إعادة إنتاج لتضارب الاختصاصات الذي كشف عنه التطبيق العملي لقانون المجلس الأعلى للإعلام، بين سلطة المجلس في حظر النشر مثلًا وسلطة النيابة العامة في إصدار القرار نفسه، مدللًا على ذلك بالأزمة التي استدعى على أثرها النائب العام رئيس المجلس مكرم محمد أحمد للتحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا، لإصداره قرارًا بحظر النشر في كل ما يتعلق بـ «مستشفى سرطان الأطفال 57357»، ووصف النائب العام لقرار مكرم وقتها بـ«المنعدم»، لتعديه على اختصاصات السلطات القضائية والتنفيذية.

وأضاف مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير أنه بالرغم من أن قانون المجلس يمكنه من توقيع عقوبات على المؤسسات الصحفية والإعلامية في حال ارتكاب مخالفات منها «منع نشر، أو بث المادة الصحفية أو الإعلامية لفترة محددة أو بصفة دائمة»، إلا أن النائب العام اعتبر قرار مكرم تعديًا على سلطة النيابة في حظر النشر، مشيرًا إلى أنه في ما يتعلق بالحجب، فالتعارض أكثر وضوحًا، فلا يوجد في القانونين حدودًا لاختصاصات النيابة العامة التي لا يجب أن يتجاوزها المجلس الأعلى للإعلام والعكس.

وضرب الأزهري مثالًا؛ بنشر حساب على فيسبوك عدد متابعيه أكثر من خمسة آلاف متابع صورًا للترويج لمطعم ما، توضح أشخاصًا يتناولون الطعام، مصحوبة بتعليق ما وجده الأشخاص الذين ظهروا في الصور مسيئًا لهم، فبموجب المادتين: 19 من قانون تنظيم الصحافة، و25 من قانون جرائم تقنية المعلومات، تصنف تلك الواقعة كجريمة انتهاك خصوصية، يعاقب عليها المجلس الأعلى للإعلام بوقف أو حجب الحساب، أما النيابة العامة فتعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

على الجانب الآخر، اعتبر المستشار أحمد عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض الأسبق، أن احتمالية وجود تعارض بين سلطة النائب العام في الحجب، وبين سلطة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضعيفة، موضحًا أن الحجب في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، جاء كتدبير احترازي مؤقت، مقيد بضوابط ومواعيد متعارف عليها أمام الجهات القضائية، بينما في قانون تنظيم الصحافة، الحجب جاء كعقوبة من الجهة الإدارية يتم التظلم عليها أمام المجلس، ثم أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة.

وأوضح عبد الرحمن أن العبرة في حسم اختصاص الجهتين، في وجود تحقيق قضائي من عدمه؛ ففي حال تلقي النيابة العامة بلاغًا بشأن نشر موقع معين موادًا تمس الأمن القومي، أو بشأن اختراق حساب تابع لإحدى مؤسسات الدولة، أو قرصنة لبيانات عملاء البنوك، ففي هذه الحالة الأمر من اختصاص

النيابة، وبعدها محكمة الجنايات لتأييد القرار أو إلغائه، أما إذا  تلقى المجلس الأعلى للإعلام شكوى من أحد المواطنين بخصوص موقع إلكتروني أو حساب خاص لشخص على شبكة التواصل الاجتماعي مثلًا يروج للشائعات، فمن المفترض أن المجلس الأعلى للإعلام يبت في الشكوى وفي حال ثبوت المخالفة، يصدر قراره بعقوبة الموقع أو الحساب الشخصي بالحجب أو غيره، ويكون للمتضرر اللجوء إلى محكمة القضاء الإداري.

في المقابل أكد مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير أن خطورة المواد المتعلقة بالحجب في القانونين، تكمن في عدم تحديد آلية لإبلاغ المسؤولين عن المواقع بقرار الحجب قبل توقيعه، لتمكينهم من الدفاع، موضحًا أن قانون جرائم تقنية المعلومات لم يحدد جهة ما في النيابة مسؤولة عن إخطار صاحب الموقع الذي تقرر حجبه قبل الحجب، لافتًا إلى أن المتعارف عليه مثلًا أنه من حق أي مواطن الاستفسار من المكتب الفني للنائب العام إذا ما كان ممنوعًا من السفر أم لا، ولكن فيما يتعلق بالحجب، لم يحدد قانون جرائم تقنية المعلومات آلية ما لإبلاغ صاحب الموقع المحجوب.

وتلزم المادة السابعة من قانون جرائم تقنية المعلومات النيابة بعرض أمر الحجب على المحكمة المختصة (الجنايات) خلال 24 ساعة من القرار، مشفوعة بمذكرة برأيها، وتصدر المحكمة قرارها في الأمر مسببًا في مدة لا تتجاوز 72 ساعة بالرفض أو القبول.

وفسر الأزهري المادة بأن النص لا يلزم النيابة ولا المحكمة بإبلاغ المتضرر من الحجب قبل عرض القرار على المحكمة أو بعده، خصوصًا وأن قرار الحجب  مستمر، وفي ضوء القانون سيفاجئ صاحب الموقع بالحجب، ثم -بحسب المادة 8 من قانون تقنية المعلومات- ينتظر لحين إصدار محكمة الجنايات قرارها بالموافقة على الحجب أو رفضه، وإذا وافقت المحكمة، سينتظر صاحب الموقع سبعة أيام، بعدها يحق له أن يتظلم ضد القرار أمام الجنايات، وإذا رفضت المحكمة التظلم، لن يستطيع صاحب الموقع إعادة التظلم قبل مرور ثلاثة أشهر.

وتعطي المادة الثامنة من قانون جرائم تقنية المعلومات، لكل من صدر ضده أمر قضائي بالحجب، أن يتظلم منه، أو من إجراءات تنفيذه، أمام محكمة الجنايات المختصة بعد انقضاء 7 أيام من تاريخ صدور الأمر أو من تاريخ تنفيذه بحسب الأحوال، فإذا رُفض تظلمه فله أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت 3 أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم.

وأشار الأزهري إلى أنه على عكس شكلية الإجراءات الخاصة بإصدار النيابة لقرار الحجب، حدد القانون ضوابط واضحة لجهة التحري والضبط (الشرطة) فيما يتعلق بسلطتها في الحجب.

وتعطي المادة السابعة من قانون جرائم تقنية المعلومات، لجهات الضبط والتحري في حالة الاستعجال، سلطة إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ليخطر مقدم الخدمة بحجب الموقع أو المحتوى، بشرط أن تحرر الجهة محضرًا بالقرار ومبرراته، خلال 48 ساعة وتعرضه على المحكمة المختصة، وإلا يعد الحجب كأن لم يكن.

يوضح الأزهري أنه على الرغم من عدم تعريف القانون لماهية حالة الاستعجال، وضوابطها، إلا أنه حدد إجراءات محددة ربطها بمدد زمنية واضحة.

وأشار الأزهري إلى أنه بموجب القانونين، سلطة حجب المواقع يتقاسمها كل من جهة التحقيق (النيابة العامة)، وجهات الضبط والتحري (الشرطة)، والمجلس الأعلى للإعلام، وللجهات الثلاثة مخاطبة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، على أن يقوم الجهاز بإخطار مقدمي الخدمة أو شركات الاتصالات، لتنفيذ الحجب، وبعد الحجب يكون للمتضرر أن يلجأ إلى القضاء الإداري في حال علمه بأن مصدر القرار هو المجلس الأعلى للإعلام، أو لمحكمة الجنايات إذا كان صادرًا عن النيابة العامة أو الشرطة.

في حال صدور قرار الحجب من النيابة العامة ومن المجلس الأعلى للإعلام في نفس الوقت، يكون للمتضرر اللجوء إلى الجنايات والقضاء الإداري معًا، وفي حال صدور حكمين من المحكمتين، تكون الحجة، وفقًا للأزهري، للحكم الصادر من محكمة الجنايات، نظرًا لسرعة الإجراءات أمامها مقارنة بإجراءات محكمة القضاء الإداري في الدعاوى الخاصة بالحجب غير المقيدة بمدة زمنية محددة.

كما لفت الأزهري إلى أن سرعة الإجراءات السابقة على تأييد محكمة الجنايات لقرارات الحجب ستساهم في شيوع عقوبة حجب المواقع، كنتيجة للبلاغات التي يقدمها «محامو الشهرة» ضد أي موقع يرونه يروج للمساس بالأمن القومي أو غيرها من المصطلحات الفضفاضة التي تضمنها القانون.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن