بقانون جديد.. الحكومة تحاول وضع الصناديق الخاصة تحت السيطرة
 
 

وافق مجلس النواب الأسبوع الماضي على مشروع قانون مُقدّم من الحكومة يحدد النسب التي توردها الصناديق والحسابات الخاصة وفوائض الهيئات العامة للخزانة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي، والذي ينتهي في 30 يونيو 2019.

ويفرض القانون الجديد زيادة كبيرة في النسب التي تدفعها تلك الصناديق، كما يعيد تعريف الشرائح المختلفة للصناديق بما يوسع قاعدتها.

جاءت التغييرات التي استحدثها القانون الجديد ضمن محاولات الحكومة لضبط أوضاع الصناديق الخاصة التي توسعت الجهات المختلفة في تأسيسها على مدار سنوات، وتعرضت لعدد من الانتقادات بسبب عدم شفافية أعمالها. وتأتي تلك المحاولات التي بدأت منذ عام 2016 كجزء من برنامج اقتصادي يهدف إلى خفض عجز الموازنة العامة وتقليص فاتورة اﻹنفاق الحكومي، كجزء من برنامج مالي تقشفي، تمّ من خلاله خفض الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة الجديدة.

ما هي الصناديق الخاصة؟

بدأت الصناديق الخاصة في مصر منذ عام 1973، حين نصت المادة 20 من قانون موازنة العام على أنه «يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص فيها موارد معينة لاستخدامات محددة، وتعد للصندوق موازنة خاصة به طبقًا للقواعد واﻷحكام المنصوص عليها في هذا القانون ويسري بشأنها فيما يتعلق بتنفيذ أحكام هذا القانون القواعد الخاصة بالمؤسسات العامة».

وأخضع قانون المحاسبة الحكومية الصناديق الخاصة للرقابة المالية من قبل وزارة المالية قبل الصرف على جميع حساباتها، بعد تعديل أُجري على القانون عام 1992. بينما تكون الرقابة بعد الصرف للجهاز المركزي للمحاسبات.

وأوضح مدحت الشريف، وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، لـ «مدى مصر» أن القانون يتطرق إلى الصناديق التي تتكون مواردها من «جيب» المواطن فقط. «غالبية الجهات بها صناديق خاصة، فهيئة البريد والمستشفيات والجامعات تحوي صناديق خاصة، حيث أن بعض الصناديق تتكون مواردها من خدمة معينة تقدمها الدولة للمواطن مثل رسوم الشهادات الجامعية تذهب لصندوق خاص، وفلوس الخدمات المميزة بالمستشفيات تذهب الصناديق، وبالتالي لدينا عشرات اﻵلاف من الصناديق، ويوجد بعض الصناديق الفرعية عبارة عن دفتر بدرج المكتب»، يقول الشريف.

وتورد تلك الصناديق والحسابات الخاصة نسبة من أرصدتها وفوائضها إلى الخزانة لتدخل في الموازنة العامة، وتحدد تلك النسب في قانون الموازنة كل عام.

طبقًا لحصر نفذته وزارة المالية في يونيو 2017، ونقل عنه وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، «بلغ عدد الحسابات التابعة لصناديق خاصة 7398 حسابًا، بالعملتين المحلية والأجنبية، بإجمالي أرصدة 67.5 مليار جنيه».

وفي 2006، أُدخل تعديل آخر على القانون ينشأ بموجبه لدى البنك المركزي حساب لوزارة المالية يسمى «حساب الخزانة الموحد»، يشمل كل الأرصدة التابعة للمالية بما فيها الحسابات والصناديق الخاصة.

إلا أن هذا التعديل أعطى لوزير المالية السلطة لمنح استثناءات للجهات التي يراها، والسماح لها بإنشاء حسابات في البنوك التجارية غير خاضعة لهذا الحساب الموحد، وبذلك منع كل الجهات الإدارية والمحلية من «فتح حسابات باسمها أو باسم الصناديق والحسابات الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي، إلا بموافقة وزير المالية».

وبحسب دراسة نشرها مرصد الموازنة العامة وحقوق اﻹنسان في 2013 تحت عنوان «مغارة الحسابات والصناديق الخاصة في مصر»، تسبب هذا الاستثناء في أن «تلك الحسابات أصبحت خارج نطاق الرقابة نهائيًا».

كما أعفى القانون وزارة الدفاع وهيئة الأمن القومي وجميع أجهزتهما من الخضوع لتلك المواد التي تخضع الحسابات لرقابة «المركزي» و«المالية».

ولاحظت الدراسة أن جانبًا من الصناديق الخاصة المصرية يتسم بـ «قدر كبير من السرية»، وأصبح «مثارًا للعديد من الانتقادات فيما يتعلق بأسلوب إدارتها ورقابتها المالية، وأساليب الصرف منها».

طبقًا لتقديرات نقلتها الدراسة، فإن نحو 25-30% فقط من الحسابات والصناديق الخاصة تمت مراجعة واعتماد لوائحها المالية من لجنة اللوائح الخاصة بوزارة المالية.

وعلى الرغم من أن 90% من الحسابات والصناديق الخاصة أصبحت حساباتها خاضعة لحساب الخزانة الموحد لدى البنك المركزي، إلا أن قيمة الحسابات المدرجة تمثل حوالي 60% فقط من إجمالي الموازنات السنوية لكل الحسابات والصناديق، ما يعني أن الحسابات والصناديق ذات الموازنات الكبيرة لا تزال خارج نطاق وزارة المالية، بحسب الدراسة.

وكان الجهاز المركزي للمحاسبات منذ بضع سنوات، وخلال ضجة كبيرة أثيرت في تلك الفترة حول الصناديق الخاصة وأوضاعها، أعلن عدم قدرته على حصر جميع الحسابات المرتبطة تلك الصناديق، ﻷن بعض الجهات لديها حسابات فى بنوك تجارية لا تعلم عنها أية جهة رقابية شيئا، وخاصة تلك الحسابات المتعلقة بوزارة الداخلية وجهات أخرى -يفهم من القانون أنها تابعة لوزارة الدفاع والأجهزة الأمنية-.

النسب الجديدة

بحسب القانون الذي وافق عليه مجلس النواب، تؤول للخزانة العامة للدولة نسبة من أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص في 30 يونيو 2018، وهي الأرصدة المتبقية في تلك الصناديق والحسابات في نهاية كل عام بعد خصم كل التكاليف والمصروفات، ونسبة من أرصدة الفوائض المرحلة للهيئات العامة الخدمية والاقتصادية والقومية فى 30 يونيو 2018 لمرة واحدة كالتالى:

  • 5 % من الأرصدة التى تزيد على 5 ملايين جنيه ولا تجاوز مبلغ 7.5 مليون جنيه.
  • 10 % من الأرصدة التى تزيد على 7.5 مليون جنيه ولا تجاوز مبلغ 15 مليون جنيه.
  • 15 % من الأرصدة التى تزيد على مبلغ 15 مليون جنيه.
  • 15 % من أرصدة الفوائض المُرحلة للهيئات العامة الخدمية والاقتصادية والقومية.

واستثنى القانون حسابات المشروعات البحثية الممولة من المنح أو الاتفاقيات الدولية أو التبرعات، وحسابات المستشفيات الجامعية، والمراكز البحثية والعلمية، والإدارات الصحية والمستشفيات، وصناديق تحسين الخدمات الصحية بها، وصناديق الرعاية الصحية والاجتماعية للعاملين وصناديق التأمين الخاصة، ومشروعات الإسكان الاجتماعي.

كما استثنى القانون أيضًا صناديق التأمين الخاصة، وهي: «كل نظام في أي جمعية أو نقابة أو هيئة أو من أفراد تربطهم مهنة أو عمل واحد أو أية صلة اجتماعية أخرى تتألف بغير رأس المال ويكون الغرض منها وفقًا لنظامه اﻷساسي أو تؤدي إلى أعضائه أو المستفيدين منه تعويضات أو مزايا مالية أو مرتبات دورية أو معاشات محددة»، بحسب قانون 54 لسنة 1975.

وارتفعت النسب التي يتم توريدها إلى الخزانة العامة من الصناديق والحسابات الخاصة، كما تغيرت الشرائح الخاضعة لها، كما هو موضح في الجدول:

2017/2018 قانون 83 لسنة 2017 2018/2019 الحسابات الخاصة
1% من 5 ملايين حتى 20 مليون جنيه 5% من 5 ملايين جنيه حتى 7.5 مليون جنيه الشريحة الأولى
5% من 20 مليون جنيه حتى 50 مليون جنيه 10% من 7.5 مليون جنيه حتى 15 مليون جنيه الشريحة الثانية
10% من 50 مليون جنيه حتى 100 مليون جنيه 15% ما يزيد عن 15 مليون جنيه الشريحة الثالثة
15% ما يزيد عن 100 مليون جنيه الشريحة الرابعة

الرقابة على أعمال الصندوق

اتخذت الحكومة خطوات ﻹحكام الرقابة على الصناديق الخاصة وأعمالها. بحسب الشريف، أصدر رئيس الحكومة قرارًا بتشكيل لجنة فنية من وزارة المالية تتعاون مع اللجنة الاقتصادية بشكل مباشر في إدارة هذا الملف بناءً على طلب اللجنة الاقتصادية منذ دور الانعقاد الثاني.

وقال وزير المالية محمد معيط، خلال جلسة إقرار القانون اﻷسبوع الماضي، إن اللجنة المشتركة عملت على مدار العامين الماضيين على حصر شامل لكل الصناديق والحسابات الخاصة فى كل أنحاء الجمهورية. وتابع: «أخذنا إجراءات تمثلت فى مطالبتنا لكل الجهات بالإفصاح عن كل ما لديها من صناديق وحسابات، وطالبنا البنك المركزي بمنحنا حصر لكافة الحسابات والصناديق، وعملنا مطابقة ووجدنا البعض لم يفصح بالكامل، وأرسلنا تحذيرًا بأنه لو لم يجرِ الإفصاح بالكامل، سيتم وقف العمل بالحساب».

وأوضح الشريف أن اللجنة رصدت الحسابات البنكية التابعة للصناديق الخاصة في فبراير 2017، وبلغت 7306 حسابات لدى البنك المركزي بالعملة المحلية واﻷجنبية تتبع أجهزة تخضع للموازنة العامة الدولة، بإجمالي رصيد بلغ 66 مليار جنيه.

وأضاف الشريف أن اللجنة قامت بحصر ثانٍ في يونيو 2017، شمل حسابات لبعض الجهات في بنوك خاصة لم ترسلها ضمن الحصر اﻷول، ليرتفع عدد الأرصدة إلى 7398 حسابًا بالعملتين المحلية والأجنبية، بإجمالي 67.5 مليار جنيه.

وقال حسين عيسى، رئيس لجنة الخطة والموازنة، لـ «مدى مصر» إن اللجنة المشتركة ستدرس كافة الصناديق واللوائح المنظمة لعملها بشكل مستفيض خلال شهري أغسطس وسبتمبر، ﻹعداد لوائح للصناديق التي لا زالت تعمل، وتصفية أعمال الصناديق التي فشلت في تحقيق أهدافها ونقل أصولها للخزانة العامة.

وأضاف عيسى أن اللجنة ستبحث مصادر تمويل الصناديق والضوابط التي تحققها والخدمات التي تقدمها، على أن تصفر أموال الصناديق التي فشلت في تحقيق أهدافها، موضحًا أنه سيتم الانتهاء من هذا العمل أول أكتوبر.

وأوضح الشريف أن الدولة الآن «لديها قاعدة بيانات للصناديق الخاصة الرئيسية والفرعية منها، ترصد التدفقات النقدية لها على أن يتم وضع كافة الصناديق بكافة اللوائح تحت إشراف سابق ولاحق لوزارة المالية، ومن ثم تُعرض على البرلمان»، وذلك بالمقارنة بوضع سابق كان فيه إشراف «المالية» على المرحلة السابقة على الصرف فقط، ولا ينفذ عمليا نتيجة للتعقيدات المختلفة التي شهدتها بنية الصناديق.

اعلان
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن