زيادة صلاحيات الرئيس ومد ولايته.. تعديل للدستور أم مخالفة لأحكامه؟
 
 

كان من المفترض أن يكون الشارع السياسي المصري مشغولًا الآن بحديث الانتخابات الرئاسية المحدد موعدها دستوريًا بعد أشهر قليلة، حيث تنتهي الولاية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو المقبل، وهو الأمر الذي علق عليه الكثيرون آمالًا كبيرة لإنهاء حالة الركود السياسي، لكن مقترحًا برلمانيًا أعده النائب عن حلوان، إسماعيل نصر الدين، بتعديل في الدستور بشأن مدة الولاية الرئاسية لمدها إلى ست سنوات بدلًا من أربع، جذب الحديث في الاتجاه المعاكس.

تحدد المادة 140 من الدستور مدة ولاية رئيس الجمهورية بـ «أربع سنوات ميلادية» وأنه «لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة».

في 9 أغسطس الجاري، أعلن نصر الدين عزمه إعادة التقدم بمقترح، سبق طرحه في فبراير الماضي، لتعديل ست مواد بالدستور تتضمن زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية ومد مدة الرئاسة إلى ست سنوات بدلًا من أربع، وسط ترحيب كثير من نواب ائتلاف «دعم مصر»، صاحب الأغلبية البرلمانية.

سبق مقترح النائب تأكيدات من الحكومة، ممثلة في وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب السابق، مجدي العجاتي، ورئيس البرلمان، علي عبد العال، على نفي صحة ما يتردد حول نية تعديل مواد الدستور المنظمة لتداول الرئاسة، بناء على ما ينص عليه الدستور نفسه.

في 13 ديسمبر الماضي، خلال اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، برئاسة النائب بهاء أبو شقة، بناء على تكليف من  رئيس البرلمان، لمناقشة تعديل قوانين الإجراءات الجنائية، وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، والإرهاب، وحماية المنشآت العامة والحيوية، قال العجاتي، الذي حضر الاجتماع، إنه لم يتصد للرد على الكلام الخاص بتعديل الدستور، لأن الدستور الحالي في المادة  226 بيّن لنا كيف نعدله، «سيبكوا من الاستفتاء، دي إجراءات شكلية ممكن نعملها، لكن الدستور نفسه قالك ما تجيش عند مدة رئيس الجمهورية». وهو ما تبعه نفي من عبد العال في جلسة 14 ديسمبر لرغبة البرلمان في تعديل الدستور من أجل مدة رئيس الجمهورية، قائلًا: «من يرددون كذبًا أن البرلمان يريد تعديل الدستور من أجل مد مدة رئيس الجمهورية تناسوا أن هناك مادة حاكمة في الدستور تلزم بعدم تعديل مدة انتخاب رئيس الجمهورية ما لم يكن التعديل متعلقا بمزيد من الضمانات والحريات».

حظرت المادة 226 من الدستور «تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات».

يبرر نصرالدين لـ «مدى مصر» إصراره على المقترح بأنه ليس من الملائم أن تكون مدة البرلمان خمس سنوات وتكون مدة رئيس الجمهورية أربع سنوات فقط، بل يجب أن تكون مدة رئيس الجمهورية ست سنوات على الأقل.

ويرى ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة في البرلمان، أن تعديل مدة الرئاسة، وضمان بقاء السيسي مدة رئاسية أخرى هو «أولوية يجب على البرلمان إنجازها في بداية دور الانعقاد الثالث».

وأضاف لـ «مدى مصر» أن الدستور سمح بتعديل فترة الرئاسة دون المساس بألا يستمر الرئيس في منصبه أكثر من مدتين فقط، ولهذا يمكن للبرلمان، وفقًا لعمر، أن يعدل الدستور ليتضمن زيادة مدة الرئاسة إلى ست سنوات، ووضع مادة انتقالية تسمح للرئيس السيسي بحساب مدته الرئاسية الأولى حتى 2020، لعدم قدرة موازنة الدولة على تحمل تكاليف إجراء استفتاء لتعديل الدستور ثم انتخابات رئاسية في نفس العام.

يفند الدكتور ماهر أبو العنين، أستاذ القانون الدستوري، كلام عمر بقوله إن نص الدستور «واضح ولا يحتمل التأويل»، موضحًا لـ «مدى مصر» أن المادة 226 من الدستور تحظر تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، التي حددتها المادة 140.

ويؤكد أبو العنين أن المساس بمدة الرئاسة أو فترات الرئيس «باطل دستوريًا»، لافتًا إلى أن أي تعديلات دستورية سيمررها البرلمان بخصوص مدة الرئاسة ستبطلها محكمة القضاء الإداري، لأن قرار دعوة الشعب للاستفتاء على تعديل الدستور وقتها سيكون قرارًا إداريًا منعدمًا لمخالفته للدستور.

يعتقد اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان والقيادي بـ«دعم مصر» أن «السيسي هدية من الله لمصر، ويجب أن نحافظ عليه»، لذلك فالحديث عن تعديل مدة الرئاسة في الوقت الحالي «يضره».

وأضاف في تصريحات لـ «مدى مصر» أنه من الأولى الآن أن يؤيد نواب البرلمان ترشح الرئيس لفترة رئاسية ثانية، «أما الحديث عن تعديل مدة الرئاسة فيعطي الفرصة للمتربصين للتشكيك في نوايا الرئيس».

لم يحدد حزب المصريين الأحرار موقفه من المقترح حتى الآن، بحسب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة بالبرلمان وعضو الحزب، الذي أضاف أن غالبية نواب البرلمان يؤيدون تعديل الدستور بشكل عام، وخصوصًا مدة الرئاسة، مشيرًا إلى أن الحديث عن التعديلات الآن لا يعدو كونه حوارًا مجتمعيًا واستطلاعًا لرأي الشارع، خصوصًا أن البرلمان لن يتخذ أي إجراءات في هذا الأمر قبل بداية دور الانعقاد الثالث، المقرر له 4 أكتوبر المقبل.

يرى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية، النائب محمد بدراوي، أن الدعوة لتعديل الدستور تأتي قبل الموعد المحدد لبدء الانتخابات الرئاسية بأربعة أشهر، كأنها دعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، لكون تعديل الدستور يتطلب استفتاء الشعب، وموافقته على التعديلات، وهو «بيت القصيد»، مضيفًا أنه بات من غير المجدي التذكير بأن الدستور الذي يدعو رئيس البرلمان وعدد من نواب ائتلاف الأغلبية لتعديله لم تُنفذ غالبية مواده حتى الآن، وأن الأولى هو تطبيق مواد الدستور الذي شارك 20 مليون مواطن في الاستفتاء عليه.

من جانبه، يفسر أبو العنين الحديث الحالي عن تعديل الدستور وخاصة مدة الرئاسة باعتباره «بالونة اختبار»، وتهيئة للمجتمع لتعديل الدستور، ليس الآن، وإنما في نهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السيسي في عام 2022، مدللًا بأن الموائمة السياسية تقتضي البعد عن أي إجراء يضع سياسات الرئيس وشعبيته الآن في اختبار أمام الشعب، مفسرًا دعوات نواب البرلمان بالتعديل في هذا التوقيت بعدم وجود تنسيق بين النواب وبين الرئيس والمقربين منه.

دستور «النوايا الحسنة»

في كلمته خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في يوليو 2015 اعتبر السيسي أن «الدستور ده طموح جدًا، وحط صلاحيات لو ما كانش هيستخدم في البرلمان برشد وبوطنية ممكن يتأذى المواطن قوي ومصر تتأذى قوي.. مش هنعمل إجراء استثنائي، وأنا أؤكد ذلك، وممكن البرلمان يكون أداؤه خطير جدًا بقصد أو بدون قصد يغرق كل اللي بنعمله». بعد شهرين فقط كرر الرئيس حديثه عن الدستور قائلًا إنه «كتب بنوايا حسنة والنوايا الحسنة لا تبني الدول».

تزامنت تصريحات السيسي مع أخرى حكومية كشفت عن إعداد مقترح بتعديل عدد من مواد باب نظام الحكم في الدستور، وخاصة نصوص سلطات البرلمان المتعلقة بسحب الثقة من الرئيس، فضلاً عن المادة رقم 156 المتعلقة بمراجعة البرلمان للقوانين التي أصدرها الرئيس في غيابه.

يقول النائب أيمن أبو العلا إن غالبية نواب البرلمان مقتنعون بضرورة تعديل الدستور، ليس بسبب مدة الرئاسة فقط، وإنما بسبب التفاصيل الكثيرة التي تضمنها الدستور بالمخالفة للمتعارف عليه في غالبية دساتير العالم.

وأوضح أن الدستور يتحدث عن فرض ضرائب تصاعدية ويحدد نسب بعينها للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، وهذا ليس محله الدستور وإنما القوانين، فضلًا عن تضمنه لمواد أثبتت التجربة العملية عدم منطقيتها، مثل المادة الخاصة باختصاص مجلس الدولة في مراجعة القوانين التي يقترحها نواب البرلمان، والمواد التي تحدد مدة البرلمان بخمس سنوات ومدة رئيس الجمهورية بأربع سنوات فقط.

المعنى نفسه عبر عنه رئيس البرلمان، الذي حمل الدستور مسؤولية عدم قدرة «النواب» على إصدار سوى أربع قوانين فقط في النصف الأول من العام الماضي، بسبب العقبات التي وضعها في طريق السلطة التشريعية باشتراطه موافقة ثلثي أعضاء البرلمان (398 نائبًا) على القوانين المكملة للدستور.

تصريحات عبد العال، الذي شارك ضمن لجنة الخبراء العشر في إعداد الدستور، تبعتها أخرى لبرلمانيين ينتقدون فيها عدم واقعية الكثير من مواده، كتلك التي أشار إليها رئيس لجنة الخطة والموازنة، حسين عيسى، في أول يونيو 2016، والمتعلقة بتحديد نسبة 10% من الناتج القومي الإجمالي للبلاد للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي في الموازنة، وصفًا ذلك بالـ«خيال»، ومعتبرًا أن الدستور أخطأ بإلزام الحكومة بنسب معينة للإنفاق، وهو ما اتفق معه وكيل اللجنة، النائب ياسر عمر، الذي اعتبر أن الالتزام بالدستور في الموازنة العامة «خراب بيوت» لأنه «لا يجوز صرف تلك المبالغ على قطاعات مثل التعليم والصحة لمجرد أن الدستور نص على ذلك».

ظهر ميل النواب أيضًا لتعديل الدستور في انتقاد بعضهم لمقترح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب السابق، منتصف العام الماضي، بإعداد قانون العدالة الانتقالية، لما سيشمله من مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما رد عليه العجاتي وقتها: «ده مش رأيي الشخصي، لم أقل شيئًا جديدًا ومن يعترض على كلامي عليه أن يقرأ الدستور الذي ألزم بإقرار مصالحة وطنية بين فئات الشعب».

ارتفعت نبرة الدعوة لتعديل الدستور عقب الهجمات الإرهابية الدموية التي ضربت مصر مؤخرًا. عقب تشييع جنازة شهداء تفجير الكنيسة البطرسية في 12 ديسمبر الماضي،  قال عبد العال إن «مجلس النواب عاقد العزم على مواجهة الإرهاب بالتدابير والتشريعات المناسبة حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور ذاته، وسوف يتحمل مجلس النواب مسؤولية المواجهة التشريعية بما يتناسب مع تطوير الإرهاب لأساليبه، والأهداف التي يريد النيل منها، نعم أقولها بصراحة، لو تطلب الأمر، وأكرر: لو تطلب الأمر تعديل الدستور لمواجهة الإرهاب فسوف نقوم بتعديله، بما يسمح للقضاء العسكري بنظر جرائم الإرهاب بصفة أصلية».

مرة أخرى، تبع تصريحات عبد العال تأكيدات من عدد كبير من النواب على اتجاه البرلمان نحو تعديل، ليس فقط المادة 204 الخاصة بالمحاكمات العسكرية، وإنما المواد الأخرى التي أثبت التطبيق الفعلي عدم جدواها.

يقول النائب نصر الدين لـ «مدى مصر» إن «الدستور مليء بالمطبات وهناك مواد أثبتت التجربة عدم قابليتها للتنفيذ»، مدللًا على ذلك بأن الدستور لم يراعي قواعد الفصل بين السلطات في المواد المتعلقة بسلطة محكمة النقض في الفصل في صحة عضوية نواب البرلمان، وهو اختصاص أصيل للبرلمان وليس القضاء، كما أعطى لمجلس الدولة أن يتدخل في سلطة التشريع الموكلة للبرلمان، بالنص على ضرورة مراجعة قسم التشريع بالمجلس للقوانين والقرارات الجمهورية، رغم أن المنطقي أن يراجع مجلس الدولة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة، وليس التي يقترحها نواب الشعب، لافتًا إلى أنه بصدد تحديد مواد الدستور التي سيطلب من البرلمان تعديلها في أول أكتوبر المقبل.

ويضيف النائب ياسر عمر انتقادات أخرى للدستور تتعلق بتنظيمه لحالة الطوارئ، معتبرًا أن مصر «في حالة حرب، ويوجد ضرورة لمد حالة الطوارئ، لكن الدستور يحددها بستة أشهر فقط، وبالتالي لازم يتعدل».

أجازت المادة 226 من الدستور لرئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواه، على أن يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال 30 يومًا من تاريخ تسليمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا أو جزئيًا بأغلبية أعضائه، وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي، ولكن إذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد 60 يومًا من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة.

وحددت لائحة البرلمان الداخلية في موادها 141 و142 و143 آلية تعامل البرلمان مع مقترحات النواب بتعديل الدستور، حيث يعرض رئيس المجلس الطلب المقدم باقتراح تعديل الدستور من أعضاء المجلس خلال سبعة أيام من تقديمه على اللجنة العامة للبرلمان، وإذا  قررت اللجنة العامة توفر الشروط الدستورية والإجرائية في طلب التعديل المقدم من الأعضاء، تعد اللجنة العامة تقريرًا برأيها في مبدأ التعديل خلال سبعة أيام لعرضه على الجلسة العامة، وإذا وافق  النواب على تعديل الدستور وعلى المواد المعدلة  يُخطر رئيسُ المجلس رئيس الجمهورية بقرار المجلس مشفوعًا ببيان الأسباب التي بنى عليها المجلس قراره، والإجراءات التي اتبعت في شأنه، وذلك لاتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة لعرض التعديل على الشعب لاستفتائه في شأنه.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن