عادت أزمة أسعار الدواء إلى التجدد مرة أخرى بعد إعلان الحكومة أمس استبعاد أدوية اﻷمراض المزمنة من زيادات اﻷسعار التي اتفقت مع شركات الدواء عليها مؤخرًا، وهو الشرط الذي خلا اتفاق الحكومة مع الشركات منه، والذي رأى مراقبون أنه قرار قد يؤدي إلى توقف إنتاج تلك اﻷدوية.
كان مجلس الوزراء قد أعلن موافقته على زيادة جديدة في أسعار الدواء الخميس الماضي بعد مفاوضات دامت ثلاثة أشهر بين وزارة الصحة ومجموعة من شركات الأدوية المحلية والدولية. وتضمن اتفاق الصحة والشركات زيادة 15% من الأدوية المحلية لكل شركة بحد أدنى 5 إلى 7 مستحضرات، على أن تزيد الأدوية الأقل من 50 جنيهًا بنسبة 50% من فرق سعر العملة، والأدوية من 50 وحتى 100 جنيه، بنسبة 40%، والأدوية فوق الـ 100 جنيه بنسبة 30%. فيما تزيد الأدوية المستوردة لكل شركة بنسبة 20% بحد أدنى 5 إلى 7 مستحضرات، وتزيد الأدوية الأقل من 50 جنيهًا بنسبة 50%، والأدوية فوق الـ 50 جنيهًا بنسبة 40%. ولم يشمل الاتفاق المعلن استبعاد أدوية بعينها منه.
وبموجب القرار، يحتسب فرق سعر العملة في كل شريحة من متوسط سعر الصرف في شهور نوفمبر وديسمبر وحتى 20 يناير 2017، بالمقارنة بسعر الصرف قبل 3 نوفمبر الماضي، ويتم تطبيق الزيادة في الأول من فبراير على التشغيلات التي سوف يتم بيعها من كل شركة بعد إصدار إخطار التسعيرة، طبقًا لخطاب وزير الصحة المرسل لرئيس الوزراء.
تعرّف منظمة الصحة العالمية اﻷمراض المزمنة بأنها أمراض لا تنتقل من شخص ﻵخر، وتتميز بأمد طويل وتقدم بطيء. وتنقسم اﻷمراض المزمنة إلى أربعة أقسام أساسية: أمراض القلب الوعائية، والسرطان، وأمراض التنفس المزمنة، والسكّر. وطبقًا ﻹحصائيات المنظمة، فإن اﻷمراض المزمنة تؤثر بشكل أكبر على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تحدث ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن أمراض مزمنة – 28 مليون حالة وفاة- فيها.
فيما يقول الدكتور علاء غنّام، مسؤول ملف الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن نسبة مرضى السكر في مصر تبلغ 39% من السكان، بينما تبلغ نسبة مرضى ضغط الدم 19%.
وطبقًا لتقرير الحالة حول اﻷمراض المزمنة الصادر عن منظمة الصحة العالمية في 2014، يبلغ عدد الوفيات الناجمة عن أمراض مزمنة وسط الذكور 232100، منها 57% أقل من سن 70، ووسط اﻹناث 211400 منها 42.1% أقل من سن 70.
من جانبه، يقول محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، إن أدوية اﻷمراض المزمنة يبلغ عددها حوالي 100 صنف. وعلى الرغم من قلة عددها، إلا أنه يرى أن استثناءها من قرار زيادة أسعار اﻷدوية يستحيل تنفيذه على أرض الواقع.
ويضيف فؤاد: «هناك تجربة ماثلة أمامنا: قرار وزير الصحة زيادة أسعار قائمة من 7000 صنف دوائي في مايو الماضي كان لحل مشكلة النقص في الدواء، وعلى الرغم من القرار، إلا أن أزمة نقص الدواء استمرت إلى اﻵن».
ويوضح السبب قائلًا: «رفع أسعار الدواء استمر حبرًا على ورق بسبب استمرار غياب المواد الخام والتي يتم استيراد أغلبها، وذلك بسبب أزمة نقص الدولار المتوفر».
فيما تبقى اﻷزمة مرشحة للتكرار بعد قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي وقرار زيادة اﻷسعار اﻷخير.
يقول فؤاد إن «قرار الوزارة اﻷخير حل مشكلة 15-20% فقط من اﻷدوية وهي التي تشملها الزيادة، وبالنسبة لباقي اﻷدوية فإن المنطقي هو أن تتوقف الشركات عن إنتاجها». ويضيف أنهم حين يتواصلون مع الشركات يكون الرد أنهم سيتوقفون عن استيراد المواد الخام للأدوية التي لم تشملها الزيادة «ﻷنهم لن يتحملوا بيع الدواء بخسارة». ولهذا يعتبر فؤاد أن استثناء أدوية اﻷمراض المزمنة من قرار الزيادة قد يؤدي إلى توقف إنتاجها.
لكن طبقًا لخطاب وزير الصحة، سيتم إعادة تسعير مجموعة ثانية من الأدوية في الأول من أغسطس 2017، حيث يتم حساب الزيادة بالنسبة لتغير سعر الصرف في شهور مايو ويونيو ويوليو. واشترطت الوزارة توفير جميع الأدوية التي لن تشملها الزيادة في السوق المحلي في الفترة الأولى من زيادة الأسعار في فبراير، وفي حالة عدم توفير هذه الأدوية لن يتم تطبيق إعادة التسعير المزمع إجراؤها في أغسطس. ومن المقرر أن تتابع إدارة النواقص بالإدارة المركزية للصيدلة بوزارة الصحة توفر منتجات الشركات بشكل أسبوعي.
وعلى الرغم من ربط وزارة الصحة القرار زيادة اﻷسعار المقبل بإنتاج كافة اﻷدوية، إلا أن فؤاد يرى أن اﻹشراف على كافة الشركات ﻹنتاج كافة اﻷدوية أمر يستحيل تطبيقه من الناحية العملية.
لكن غنّام يعتبر أن قرار الحكومة اﻷخير يعكس غياب سياسات وأطر تنظيمية واضحة لصناعة الدواء، ويقول: «كل هذه اﻹجراءات مجرد ردود أفعال كي تستمر الشركات في إنتاج الدواء، لكن هذا لن يحافظ على الصناعة».
من جانبه، يرى فؤاد أن قرار زيادة اﻷسعار اﻷخير يمثل اعترافًا رسميًا من الحكومة بحق الشركات في زيادة أسعار الدواء بعد تحرير سعر الصرف.
وهو يرى كذلك أن اﻷزمة لا تكمن في تسعير اﻷدوية، «هناك قائمة من 857 دواءً ينتجها القطاع العام تتراوح أسعارها بين 3-136 جنيهًا، بينما ينتج القطاع الخاص القائمة ذاتها بأسعار تتراوح بين 33-215 جنيهًا، كما أن هناك أدوية يصل سعرها إلى 15 ألف جنيه».
بالنسبة إليه، فإن الحل يبدأ بتبني استراتيجية واسعة للتعامل مع اﻷزمة على مدى طويل. «أولًا لا بد من إقرار قانون التأمين الصحي الشامل، كما يجب إنشاء هيئة مسؤولة عن قطاع السياسات الدوائية بالكامل، كل دول العالم لديها إدارات للتنبؤ باﻷزمات الدوائية».
ويتفق غنّام مع فؤاد على ضرورة إنشاء مجلس أعلى للدواء يشترك فيه كل اﻷطراف، يقول: «كل اﻷطراف هنا تعني الوزارة والشركات واﻷطباء والصيادلة والمرضى دون استثناء».
ويضيف أن إنتاج اﻷدوية الضرورية ومن بينها أدوية اﻷمراض المزمنة مسؤولية الدولة نفسها. «لا بد من سياسة للحفاظ على الصناعة الوطنية للدواء لتتولى مسؤولية إنتاج اﻷدوية الضرورية بنفسها»، مستكملًأ أنه على الدولة أيضًا تحمل جزء من تكلفة إنتاج اﻷدوية الضرورية وتشجيع البدائل المحلية للدواء.
فيما يرى فؤاد أن على الحكومة التدخل بشكل حازم ضد الشركات التي تتوقف عن إنتاج أصناف الدواء. «أي شركة تتوقف عن إنتاج دواء لمدة ستة أشهر يجب أن يُسحب منها الترخيص ليُمنح إلى شركة قطاع عام ﻹنتاجه».
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن