ما وراء تبني «داعش» تفجير الكنيسة البطرسية
 
 

منذ إعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عن تفجير الكنيسة البطرسية بحزام ناسف فجره انتحاري، تحول الحديث من مناقشة الحادث والضحايا وتفاصيل الجنازة، إلى العلاقة الفعلية بين داعش والبيان المنسوب لها، ولماذا لم يحمل البيان شعار «ولاية سيناء»؟ ولماذا تأخر الإعلان؟ والأكثر من ذلك، هل هذا تطور نوعي في عملياتهم؟ هل هو مقدمة لعمليات أخرى؟

هل البيان حقيقي؟

يختلف الباحث في الشؤون والحركات الإسلامية، أحمد بان، مع الآراء المشككة في نسب البيان لـ«داعش»، قائلًا: «ربما يذهب البعض إلى أن البيان ملفق، أو أنه أتى ليرفع المسؤولية عن جهة ما. في الواقع أنا لا أميل إلى هذا الرأي. البيان منشور على نفس المنصات التي اعتدنا اعتبارها مصدرًا لبيانات التنظيم، مثل وكالة أعماق، ولو كان البيان مزورًا كنا سنجد تكذيبًا سريعًا».

كما طُرحت العديد من الملاحظات حول طريقة صياغة نص البيان، وأنها تختلف عن تلك البيانات السابقة، وتساءل البعض أيضًا عما إذا كان البيان منسوبًا لـ «ولاية سيناء» أم أنه منسوب بصيغة أكثر عمومية لتنظيم الدولة الإسلامية ككل.

يعتبر «بان» أن الصياغة الركيكة وإغفال ذكر مسمى ولاية سيناء قد يكونا عائدين لأسباب أخرى: «إلى ارتباك الجهاز الإعلامي أو إلى مسألة تقنية أخرى. في النهاية هذا لا ينسحب إلى التشكيك في مصداقية البيان أبدًا».

من ناحيته، يتفق الباحث في علم الاجتماع السياسي والدراسات الأمنية، علي الرجّال، مع «بان» في تأكيد أن البيان صادر عن داعش. يقول الرجال إن «مسألة البيان والاسم متعلقة باحتمالين اثنين لا أستطيع ترجيح أيًا منهما، ولا أعتقد أن الكثير لديهم تفسير لذلك. الأول هو أن يكون التنظيم يحاول توسيع نفوذه، وإدعاء بأن نشاطه ليس محصورًا في منطقة نفوذه المعتادة، وبالتالي لا يريد حصر العملية في ولاية سيناء فقط. الثاني: أن يكون هذا نابعًا من الخلاف التنظيمي الضارب في التنظيم إقليميًا منذ بدء معركة استعادة الموصل، كأن تكون مجموعة من ولاية سيناء قد انشقت مثلًا ونفذت هذه العملية. هناك احتمال ثالث، أميل إليه شخصيًا، هو أن الأمر لا معنى هام له. في بيانات سابقة لولاية سيناء تم الاكتفاء بشعار الدولة الإسلامية دون ذكر اسم الولاية، ربما يكون هذا ما حدث خاصةَ وأن العملية كانت خارج سيناء».

وفي أول أكتوبر الماضي أعلن الجيش العراقي معركة تحرير الموصل من مقاتلي تنظيم داعش. وحينها أشارت الكثير من الآراء إلى خلافات بدأت تضرب التنظيم من الداخل، على رأسها تحميل مسؤولية تراجع المساحة الجغرافية التي يتحكم فيها على عاتق بعض المسؤولين داخله.

وأضاف الرجال: «المسألة الأخرى التي أثارها البعض عن تأخر إعلان المسؤولية فهي ليست مؤشرًا على الإطلاق على انعدام المصداقية. التنظيم يختار توقيت إعلاناته بحسب آليات كثيرة تخص السياسة والبروباجندا، وفي عمليات عدة انتظروا لأيام طويلة قبل أن يعلنوا مسؤوليتهم. لا أعتقد أن التنظيم سيدعي مسؤوليته عن عملية لم ينفذها، هذا سيقلل تأثيره الإعلامي، بالذات في عملية في مثل هذا الحجم، خاصةً وأن له مصداقية في تبني عمليات كبيرة سابقة، ويعتمد على هذه المصداقية في اكتساب سمعة الردع والجدية».

ونشر التنظيم منذ يومين مقطعًا مصورًا جديدًا بعنوان «حز الرقاب» تناول فيه عملياته ضد من أسماهم «الجواسيس» من المتعاونين مع قوات الأمن، أظهر فيه مشاهد لذبح وتصفية بالرصاص وقتل بالتفجير لـ14 مدنيًا. كما ضم الفيديو اعترافات للمواطنين القتلى قالوا فيها إن مهامهم كانت تتمثل في التعاون مع قوات الأمن والجيش من أجل رصد العناصر المسلحة وأماكن تمركزهم، وتفخيخ منازل يعتقد أنها تستخدم كمخازن للسلاح والعتاد، ومساعدة قوات الأمن في تفتيش السيارات وتسليم المطلوبين والمشتبه بهم، والتحقيق مع الموقوفين في المقار الأمنية، والتقصي عن أماكن زرع العبوات الناسفة في مدينتي العريش والشيخ زويد.

وخُتم المقطع المصور باستعراض مشاهد لموكب سيارات تحمل راية التنظيم، ومشاهد أخرى لكمائن متحركة للبحث عن المتعاونين مع قوات الأمن، وأنهى الصوت المرافق للمقاطع حديثه بتوعد كل المتعاونين واصفًا إياهم بـ«المرتدين».

تطور نوعي

جاء الإعلان الأخير بتبني المسؤولية عن تفجير الكنيسة ليثير أسئلة كثيرة تقع جميعها في خانة القلق. فهذه أول عملية خارج سيناء موجهة ضد مدنيين بالأساس. كما أن العملية استهدفت مقرًا دينيًا في قلب العاصمة وفي وضح النهار. وبات السؤال عما إذا كان للتنظيم خلايا في الوادي والدلتا، وإذا ما كان ذلك تمهيدًا لمرحلة جديدة من العمليات الإرهابية.

يقول الباحث علي الرجال، وهو مختص بنشاط تنظيم داعش على المستوى الإقليمي، إن «العملية لا تعني بالضرورة أنه اكتسب خلايا جديدة في الوادي والدلتا. عمليات التنظيم السابقة في القاهرة، كعملية تفجير القنصلية الإيطالية في منتصف العام الماضي، تقول إن لديه يد تنظيمية هنا، قد تكون خلايا تنظيمية، أو على الأقل قدرة للوصول إلى هذه المناطق. في تقديري الخاص أن التنظيم لو ضم خلايا تنظيمية قادرة على العمل الواسع خارج سيناء، فلم يكن سيتأخر حتى هذا الوقت. السؤال هنا ليس عن الخلايا في رأيي، السؤال عما إذا كان هذا نسق جديد للعمليات أم لا».

هنا، يقول بان: «لا أستطيع الجزم بأن للتنظيم خلايا في الوادي والدلتا. الملفت أنه في السنتين الأخيرتين تم توجيه ضربات لخلايا إرهابية عديدة في الدلتا. بقايا هذه الخلايا ستحتاج التأمين والتمويل والتسليح والحماية، وستبحث عن تنظيمات أكبر للعمل من خلالها، إذا تحقق هذا، سنكون أمام سلسلة من العمليات ربما تكون أخطر وأكبر من العملية الأخيرة».

لكن الباحث في برنامج دراسة التطرف في جامعة جورج واشنطن، مختار عوض، يطرح تصورًا مغايراً، معتبراً أنه «منذ العام 2011 تم تأسيس عدد من الخلايا النائمة في الدلتا، وتم تفعيل عمل هذه الخلايا في الشهور التي أعقبت أحداث 30 يونيو 2013. وفي العام 2014 تم توجيه ضربات أمنية واسعة لرؤوس هذه الخلايا في القاهرة الكبرى والصعيد، وعلى رأسها خلية عرب شركس. ومع توجيه هذه الضربات، وبعد مبايعة تنظيم أنصار بيت المقدس لداعش، بعض هذه الخلايا المتبقية وافقت على البيعة وبعضها رفض. إذن مسألة وجود خلايا لولاية سيناء في هذه المناطق ليست أمرًا جديدًا، داعش لم تؤسس خلايا في الدلتا، لكنها ضمت خلايا قديمة إليها، وأستطيع القول بإن هذه الخلايا تأخذ تكليفاتها من الرقة (عاصمة التنظيم المزعومة) رأسًا وليس من سيناء».

خلال العامين الماضيين، نفذ التنظيم عدة ضربات خارج شمال سيناء، بعض منها في قلب العاصمة. وكان أبرز هذه العمليات، تفجير في محيط القنصلية الإيطالية في 11 يوليو 2015، وتفجير مقر الأمن الوطني في شبرا الخيمة في 21 أغسطس 2015، وتفجير استهدف مكتب التصديقات التابع لوزارة الخارجية في 20 سبتمبر 2015، واستهداف كمين مسطرد في 13 مارس 2014، ومقتل ضابطين من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واستهداف كمين المناوات في منطقة سقارة في 28 نوفمبر 2015، وتفجير منزل مفخخ في منطقة الهرم في يناير 2016، بالإضافة إلى عمليات أخرى.

ويقارن بان هذا بالسلوك التنظيمي لداعش في تجارب أكثر تقدمًا له، «في العراق وسوريا مثلًا، نجد أن التنظيم بدأ عمليات بالتركيز على الأمنيين والعسكريين، ومن ثم يبدأ في استهداف المدنيين في أماكن التجمعات في المناسبات والأعياد أو في دور العبادة. في رأيي أن هذا الانتقال في مصر بدأ منذ شهور عديدة، عندما أظهرت ولاية سيناء فيديو يوضح تدريبات لمقاتليهم للعمل المسلح داخل المدن، وقتها حذرنا من ذلك، لكن أحدًا لم يستمع»، على حد تعبيره.

ويضيف: «نعم، العملية لم تستهدف الكاتدرائية نفسها، بل كنيسة قريبة منها، واستغلت ضعف التأمين والفجوة بين الأمن الإداري للكنيسة والأمن التابع للداخلية، لكنها كافية لكسب زخم لعمليات التنظيم، أخشى أننا أمام طور إدارة التوحش في عمليات التنظيم».

ويعود مصطلح «إدارة التوحش» لواحد من الكتب التي شكلت أدبيات تنظيم القاعدة. وهو أيضًا أحد المراحل التي تتبعها التنظيمات التابعة لداعش (شوكة النكاية، وإدارة التوحش، وشوكة التمكين)، وتركز عمليات مرحلة إدارة التوحش على توجيه الضربات الموجعة والعمليات الانتحارية التي تستهدف قطاع واسع من الضحايا.

لهذا يرى الرجّال أن إعلان المسؤولية هو أمر كارثي من كل الزوايا، قائلا إنه «في عمليات التنظيمات الإرهابية سواء من قبل مجموعة مثل أجناد مصر أو أنصار بيت المقدس قبل تحولها لمبايعة سيناء، أو حتى بعد ذلك، كان هناك حرص على تقديم صورة أنهم لا يستهدفون المدنيين. في عمليتي استهداف مديرية أمن القاهرة والقنصلية الإيطالية في القاهرة، كان التفجير في ساعات الصباح الأولى دليل على ذلك. منطقتي الاستهداف كانا قد يشهدا مجزرة كاملة لو حدث التفجير في ساعات الذروة، لكن كان هناك سعي لاكتساب هذه الصورة. أخشى أننا وصلنا للمرحلة التي قررت فيها التنظيمات المسلحة أن الضحايا من المدنيين هم خسائر ضرورية، والمسلمين المحتملين منهم هم خسائر جانبية لابد منها».

بعد شهرين من فض اعتصامي رابعة والنهضة، أعلن تنظيم بيت أنصار المقدس، الاسم القديم لـ«ولاية سيناء» قبل مبايعة «داعش»، في أكتوبر 2013 مسؤوليته عن محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، تحت عنوان «غزوة الثأر لمسلمي مصر». في ديسمبر من العام نفسه، تبنى التنظيم، عملية تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية. وبعد أقل من شهر، أعلن في يناير 2014 مسؤوليته عن تفجير وقع أمام مبنى مديرية أمن القاهرة.  

لكن عوض يرى أن «هذا ليس الاستهداف الأول للمصريين المسيحيين، سواء على يد التنظيمات الإسلامية أو على يد الحشود الغوغائية. لكن بالتأكيد ما حدث يعد تطورًا نوعيًا في حالة التمرد المسلح الظاهرة منذ العام 2013. الجماعات المسلحة في مصر كانت تتبنى استراتيجية قائمة على عدم استهداف المدنيين، لكن مع دعشنة أنصار بيت المقدس والتحول إلى مسمى ولاية سيناء، تم التخلي عن هذه الاستراتيجية، وعادوا أيضًا للإعلان عن مثل هذه العمليات».

وأضاف: «ما زلت أرى أن مصر لا تواجه نوع الإرهاب الممكن مقارنته مع ذلك المنتشر في المنطقة. نحن لا نرى محاولات كثيرة لتنفيذ هجمات إرهابية في دلتا ووادي النيل، ولا نستطيع الحسم بأن هناك اتجاه إلى ذلك. قد تكون هذه هي العملية الأخيرة، وفي هذه الحالة سيكون السبب الرئيسي هو صعوبة الوصول إلى الأهداف خارج سيناء، وليس لأنهم غيروا استراتيجيتهم».

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن