وقف رجل في منتصف العمر متشحاً بغطاء رأس أبيض يغطي جانبًا من رقبته فوق جلباب رمادي اللون يكسو جسده. قابلته للتو في حافلة مكتظة في غرب سهيل. يوصي الرجل سائق توك توك بحرارة بأن يأخذني لضفة النيل إلى حيث القارب الذي يفترض أن يصل بي لقرية الشيخ فضل.
يوصيني بدوري أن أتصل به فور وصولي إلى مقصدي، بينما يدس في يد السائق خمسة جنيهات.
غادرت غرب سهيل ، التي كانت على الدوام مقصدًا للسياح، وهي قرية نوبية يعيش فيها ألفان من أحفاد نوبيين تعرضوا للتهجير في الفترة ما بين 1902 وقت بدء بناء سد أسوان على يد البريطانيين و1912 وهو العام الذي شهد زيادة ارتفاع السد.
بعد أكثر من ساعة، وصلت قرية الشيخ فضل النوبية أيضًا والواقعة على ضفة النيل المقابلة، في طريقي إلى منزل مجدى الدابودي، القيادي البارز في حركة حقوق النوبيين. البيت من الطين أصفر اللون، مثله في ذلك مثل كل بيوت الشيخ فضل الصفراء الباهتة، بعكس بيوت غرب سهيل التي تكسوها الألوان الزاهية.
تعرض علي زوجة الدابودي بعض الماء، مؤكدة على نظافته، لكنها تخبرني بأن أهل القرية اعتادوا حتى وقت قريب الشرب من قناة من النيل بسبب ملوحة مياة الصنابير.
تضم قرية الشيخ فضل خمسة آلاف نوبي معظمهم من أحفاد أولئك الذين هُجروا إليها من قريتي دابود وماليكي في النوبة القديمة في عام 1933، الذي شهد زيادة جديدة في ارتفاع سد أسوان. وتعد القرية بذلك واحدة من «منافي» المهجرين التي تحيطها الصحراء الشاسعة.
شهد التاريخ النوبي موجات عديدة من التهجير في القرن العشرين: مرة مع بناء سد أسوان، ومرتين عند زيادة ارتفاعه في 1912 ثم 1933، ورابعة مع بناء السد العالي على يد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في عامي 1963 و1964.
لكن الشيخ فضل لا تصلح للعيش من وجهة نظر سكانها الذين يشكون من نقص البنية التحتية والخدمات الحكومية، على نحو يدفعهم إما للهجرة للقاهرة أو إلى الخارج.
«لم نحصل على تعويضات منذ عام 1933»، يقول الدابودي، مضيفًا «انتُزعنا بعيدًا عن مقومات حياتنا -النيل ومناجم الذهب- إلى الأطراف، بلا وظائف ولا أراضي نزرعها ولا مدارس للعمل بها أو للتعليم.الأراضي القابلة للزراعة مسكونة بالأهالي من الصعيد، والمدارس هنا لا تتجاوز المرحلة الابتدائية».
هذه المدارس الحكومية، كما يقول الدابودي، لا تعلم التلاميذ شيئًا عن التاريخ النوبي أو عن اللغات النوبية، بالرغم من أن كل سكان القرية من النوبيين، وهو ما يسهم من وجهة نظره في محو الثقافة النوبية ويجعل من العسير على الأجيال الجديدة إدراك هويتهم والاعتزاز بها. وبالرغم من أن أطفال القرية يفهمون اللغة النوبية فإنهم لا يتحدثون إلا العربية.
يقول سكان القرية إن شكاواهم من ظروف حياتهم لا تجد من يستمع إليها. يشير الدابودي إلى أراضٍ صحراوية في الشيخ فضل، كان يقطنها في السابق النوبيون قبل أن يستولي عليها – كما يقول – غرباء خلال السنوات القليلة الماضية. وبالرغم من احتجاجاتهم وشكاواهم المتكررة، إلا أن الشرطة والأجهزة التنفيذية في أسوان قابلتها بالتجاهل.
«مطالبنا بسيطة. نريد من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تبطل المرسوم رقم 444، الذي يصنف أراضي قرى النوبة القديمة الغنية بمناجم الذهب كمناطق عسكرية، وتمنحنا الحق في العودة للنوبة القديمة وأن نعيش حياتنا بحرية كنوبيين هناك».
«قبل أن نُطرد من أراضينا، كنا نعمل في التنقيب عن الذهب في أراضينا الغنية به»، يقول مجدي الدابودي الذي يعيش في قرية الشيخ فضل. «لكن أراضينا الآن أصبحت منطقة عسكرية لا يحق إلا لحفنة من الناس دخولها فضلًا عن شركات أجنبية. لو كانت أراضينا قد تملكها مصريون لكان الظلم أهون في أعيننا لكنها ذهبت لإثراء النخبة» - المصدر: دينا سيد أحمد
محمد جمعة (20 سنة) يستعرض الحنة التي نقشت على يديه استعدادًا للاحتفال بزفاف شقيقه. طقوس الزفاف ركن هام من أركان الحياة الثقافية في قرية الشيخ فضل - المصدر: دينا سيد أحمد
نور النوبية (30 سنة) تستعرض ضفائرها والحنة المنقوشة على كفيها استعدادًا للزفاف - المصدر: دينا سيد أحمد
عمرو عوض عبد البسيط (25 سنة) يشارك في الاحتفال بالزفاف عبر توزيع الطعام كما تقضي التقاليد النوبية التي تفرض على أسرة العريس تحمل كلفة صواني الطعام تلك - المصدر: دينا سيد أحمد
نعيمة شحاتة (75 سنة) تستعرض عقدها الذهبي الذي يطلق عليه هناك «الزعيفة» والذي تنوي ارتداءه في حفل الزفاف. تقول نعيمة، التي عاشت معظم حياتها في قرية الشيخ فضل والتي شهد والداها التهجير القسري عام 1933، إن الزعيفة لم تعد تصنع أو تباع في مصر، وهو ما ترجعه إلى ما تعتبره هي تدابير مقصودة لمحو الثقافة والتاريخ والوجود النوبي من مصر - المصدر: دينا سيد أحمد
نعيمة شحاتة تعرض خواتمها الذهبية نوبية الطراز، التي لم تعد تصنع في مصر - المصدر: دينا سيد أحمد
أسماء عوض (18 سنة) تستعرض ثوب الجرجر النوبي التقليدي، والذي ترتديه النساء النوبيات عادة فوق ثوب آخر - المصدر: دينا سيد أحمد
مشهد للنيل من غرب سهيل، حيث السياحة هي المصدر الرئيسي للدخل، وعبر ضفتي النيل تقبع قرى نوبية أخرى - المصدر: دينا سيد أحمد
الأواعي الفخارية المملوءة بالماء تنتشر في شوارع غرب سهيل، حيث تقوم بتنقية الماء وفي الوقت ذاته تبقيه بارداً - المصدر: دينا سيد أحمد
صبي على جمل في شوارع غرب سهيل. الجمال والدراجات البخارية وسيارات النصف نقل التي تكسوها الأرائك هي وسائل النقل الرئيسية في القرية - المصدر: دينا سيد أحمد
توابل معروضة في سوق غرب سهيل ، حيث السياحة هي الحرفة الرئيسية التي يعتمد عليها السكان الذين يتعيشون على بيع المصنوعات اليدوية للسياح و الزوار - المصدر: دينا سيد أحمد
ملابس معلقة خارج منزل في غرب سهيل، حيث معظم البيوت مصبوغة بألوان زاهية مصنوعة يدويًا. ويعتمد بناء المنازل في غرب سهيل على الطوب بعكس الشيخ فضل التي يعتمد البناء فيها على الطين - المصدر: دينا سيد أحمد
امراة تشير إلى رسم كبير على جدار في منزلها في غرب سهيل. ويعيد اثنان أو ثلاثة من الفنانين المحليين صبغ المنازل وتزيينها بالرسوم كل خريف - المصدر: دينا سيد أحمد
ترجمة: بيسان كساب
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا.
اعرف اكتر