استمرت عملية الشد والجذب بين الحكومة والكنائس المصرية الثلاثة فيما يتعلق بقانون بناء الكنائس، لتصل إلى منعطف جديد خلال الاجتماع الذي عقده وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب مع ممثلي الكنائس، أمس الأول، السبت، وهو المنعطف الذي قد يمثل فرصة للخروج من الأزمة القائمة بين الطرفين والتي وصلت ذروتها نهاية الأسبوع الماضي.
فخلال الاجتماع الأخير، قدمت الحكومة مشروع قانون جديد، حسبما قال الأب رفيق جريش، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، لـ “مدى مصر”، والذي أوضح أن مشروع القانون الذي تم تقديمه يختلف عن المشروعين السابقين: الأول الذي وافقت عليه الكنائس، والثاني الذي قدمته الحكومة في اجتماع الأربعاء الماضي وأثار حفيظة الكنائس الثلاثة.
غير أن “جريش” رفض التطرق لتفاصيل المشروع الجديد، قائلًا إن الأمر “لا زال قيد التكتم”، وأضاف أن أياً من مندوبي الكنائس الثلاثة لم يُبد موافقته أو رفضه للمشروع الجديد؛ انتظارًا لاستطلاع رأي القيادات الكنسية قبل الاجتماع المقبل، والذي لم يتحدد موعده بعد، بحسب “جريش”.
كانت أزمة “بناء الكنائس” قد وصلت لذروتها عقب الاجتماع الذي جمع ممثلي الكنائس مع وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، مجدي العجاتي، ومسؤولين آخرين بالدولة، نهاية الأسبوع الماضي، والذي قدمت الحكومة خلاله مشروع القانون بعد أن أضافت عليه تعديلات لم تلق قبولًا لدى الكنائس الثلاثة: الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية.
وبعد يوم واحد من الاجتماع أصدرت الكنيسة الأرثوذكسية بيانًا حوى نقدًا علنيًا حادًا لموقف الدولة، واعتبر البيان أن التعديلات التي تضمنها مشروع القانون “سوف تسبب خطراً على الوحدة الوطنية المصرية بسبب التعقيدات والمعوقات التي تحويها، وعدم مراعاة حقوق المواطنة والشعور الوطني لدى المصريين اﻷقباط”. ووصف البيان مشروع القانون بأنه “ما زال قيد المناقشة ويحتاج إلى نية خالصة وحس وطني عال ﻷجل مستقبل مصر وسلامة وحدتها”.
بينما أبدت الطائفة الإنجيلية تحفظها فيما يتعلق ببعض بنود القانون، دون أن تشير لها، في بيان أقل حدة، أصدرته في اليوم نفسه، وقالت فيه إن “رئاسة الطائفة تأمل أن تستجيب أجهزة الدولة لملاحظات أبداها ممثلو الكنائس على مسودة قانون بناء الكنائس”.
من جانبه، قال الأنبا كيرلس، أسقف نجع حمادي وعضو المجمع المقدس، إن المشروع الذي رفضته الكنيسة الأرثوذكسية لا يحمل ضمنيًا اختلافًا عن قواعد الخط الهمايوني.
وأضاف خلال حديثه لـ “مدى مصر” إن “الكنيسة تريد قواعد لبناء الكنائس شبيهة بقواعد بناء المنازل، ترتبط بتراخيص من الجهات المحلية التي يفترض أن تخطر هي من جانبها الجهات المعنية”.
كان محامي الكنيسة، إيهاب رمزي، قد قال في تصريحات صحفية عقب صدور بيان الكنيسة إن “التعديلات قد تتسبب في إثارة المشاكل، بسبب تحديدها شكل الكنيسة باعتباره مبنى محاط بأسوار دون أن يحدد وجود قبة أو صليب”. وأضاف أن “القانون ربط مساحة إنشاء كنيسة جديدة بعدد السكان، ومدى حاجتهم لها دون أي تفاصيل أو توضيح لهذا الأمر، مما قد يسمح للجهة الإدارية بالتعسف، حيث وضع الأمر في يد المحافظ وبالتنسيق مع الجهات المعنية، دون أن يحدد أسباب الموافقة أو الممانعة”.
وأوضح كذلك أن الجهات المعنية تشير في كثير من الأحيان إلى الجهات الأمنية، وهو ما قد يعيد الحديث لمشكلة الكنيسة وارتباطها بالأمن، حسبما قال، لافتًا بشأن التعديلات الجديدة إلى أنه في حال رفض المحافظ يتم اللجوء إلى القضاء الإداري، وهو ما قد يستغرق فترة طويلة تصل من ٧ إلى ١٠ سنوات للفصل في بناء كنيسة، وسط تكدس القضايا والتأجيل عدة مرات، كما ألزمت التعديلات الكنيسة باللجوء إلى القضاء العادي وليس المستعجل.
بدوره، قال الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا وعضو المجمع المقدس، إن “الكنائس الثلاثة ظلت تتناقش لفترة طويلة مع الوزير مجدي العجاتي، حول تفاصيل مشروع القانون تمهيدًا لإحالته للبرلمان لاحقًا.. وطالبت الكنيسة (الأرثوذكسية) بعدة تعديلات على الصورة الأولى لمشروع القانون في ظل ما اعتبرتها تفاصيل يتضمنها المشروع تعرقل بناء الكنائس عمليًا بدلا من تيسيره، وهو ما يمهد الطريق للمزيد من حوادث العنف”.
وأضاف في حديثه لـ “مدى مصر” إن الكنيسة فوجئت في اجتماع الأربعاء الماضي بصورة أخرى لمشروع القانون، غير أنه أوضح أنه لم يطلع شخصيًا على طبيعة القانون في صورته الجديدة.
وعقب بياني الكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية، قال وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، مجدي العجاتي، فيتصريحات صحفية إن الحكومة لم تنتهي بعد من الصياغة النهائية لمشروع القانون، موضحًا، حسبما نقل موقع “أصوات مصرية” أن جميع الملاحظات التي تتلقاها الحكومة بشأن القانون من الكنائس وغيرها يتم الحوار حولها ومناقشتها. وتابع قائلًا إن “الحكومة تسعى جاهدة لخروج القانون بشكل متوازن ويرضي جميع الأطراف”.
تصريحات “العجاتي” وما تلاها من تراجع الدولة عن مشروع القانون الذي أثار حفيظة الكنائس، وتقديمها نسخة جديدة من المشروع، حسبما قال “جريش”، لم تمثل فقط احتواء من الدولة لغضب الكنائس، بل كانت بمثابة تحسين لموقف الكنيسة أمام انتقادات عديدة طالتها بسبب علاقتها بالدولة من ناحية، وعلاقتها ببعض أطياف المجتمع المسيحي من ناحية أخرى.
مينا ثابت، مسؤول ملف الحريات الدينية وشؤون الأقليات بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، اعتبر من جانبه أن الكنيسة أبدت الكثير من المواقف الموالية للدولة في سبيل صدور القانون على نحو مرضي.
وأوضح ثابت قائلًا لـ “مدى مصر”: “لطالما مثّل قانون ينظم بناء الكنائس بالذات حلمًا يراود الكنيسة الأرثوذكسية، على نحو احتل معه أعلى قائمة أولوياتها على الدوام، حتى أن الأنبا بولا ألمح في مقابلة سابقة مع قناة الحياة (المسيحية) إلى تخليه -كعضو ممثل للكنيسة في لجنة صياغة الدستور- عن النص على مدنية الدولة مقابل صدور قانون (مرضي) لبناء الكنائس”.
وينص الدستور على أن “يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية”.
ورأى “ثابت” أن “ما زاد من صعوبة الأمر بالنسبة للكنيسة أنها كانت قد استبعدت كل الأطراف تقريبًا -من قبيل الباحثين والنشطاء في مجال الحقوق المدنية- من المشاركة، ولو بالرأي أو حتى العلم، في مجريات صياغة مشروعالقانون الذي عملت الحكومة والكنيسة على التكتم حياله، على نحو ربما كانت تستهدف من ورائه الاستحواذ وحدها على القيمة المعنوية لاستصدار القانون”، مستدركًا: “لكن العكس هو ما حدث إلى الآن، فبدا أن الكنيسة تتحمل وحدها عبء القانون بدلًا من جني ثماره”.
بدروه، رأى إسحق إبراهيم، مسؤول ملف الحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن بيان الكنيسة الرافض للتعديلات المقترحة من الحكومة على مشروع القانون كان بهدف التنصل من أي مسئولية عن صدور القانون على هذا النحو غير المرضي، في ظل ضغوط شديدة في المقابل من من وصفهم بـ “النخبة القبطية المدنية”، من قبيل نشاط ما يسمى بـ “تنسيقية مواطنة الأقباط”، مضيفًا: “لا يوجد رجل دين يمكن أن يحتمل المسئولية التاريخية عن صدور القانون”.
وأضاف إبراهيم لـ “مدى مصر”: “القانون يتضمن عيوب جوهرية تعرقل بناء الكنائس فعليًا بسبب غموض صياغته من قبيل النص على تناسب مساحة الكنيسة مع عدد السكان دون إيضاح ، والنص على شروط تتعلق بالخصائص المعمارية لبناء الكنيسة على نحو لا يجب أن يكون للدولة أي صلة به، وضرورة الحصول على تراخيص من المحافظين ومن جهات في الدولة دون تسميتها”.
كان الدكتور عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب قد قال لـ “مدى مصر” في وقت سابق إن اللجنة فى انتظار مشروع الحكومة لقانون بناء وترميم الكنائس، الذي يحظى بموافقة الكنائس الثلاثة. مؤكدًا على سعي اللجنة للانتهاء منه قبل فض دور الانعقاد الأول، طبقًا للنص الدستوري.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد استقبل البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية، في قصر الاتحادية أواخر الشهر الماضي، بعد إعراب الأخير عن خشيته من تشريع البرلمان لقانون جديد ينظم بناء الكنائس تضطر الكنيسة لرفضه، ومطالبته بالشفافية فى إعلان ما يدور فى البرلمان.
وقال المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، القس بولس حليم، في تصريحات لـ “مدى مصر” عقب لقاء الرئيس والبابا، إن السيسي رحب بوفد الكنيسة وأشار لـ “التحديات التي تواجه الوطن”، والتي تتطلب “وحدة الصف الوطني”.
وأضاف المتحدث باسم الكنيسة أن الأنبا بولا، أسقف طنطا وعضو اللجنة المشكلة من الكنيسة لمناقشة قانون بناء وترميم الكنائس، والذي رافق تواضروس في زيارة الاتحادية، توجه بالشكر للسيسي لتدخله السريع من أجل الوصول لتوافق حول القانون، حيث تم التعاطي بجدية مع مقترحات الكنيسة فيما يخص مشروع القانون.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن