رغم أن الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب أحال مشروع قانون بناء وترميم الكنائس المقدم من حزب الوفد إلى لجنة مشتركة بين لجان الشؤون الدينية والأوقاف، والشؤون الدستورية والتشريعية، والإدارة المحلية، والثقافة والإعلام، والآثار، والإسكان والمرافق العامة والتعمير، حسبما نقلت وكالة أنباء الشرق اﻷوسط الرسمية، إلا أن لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب بدأت بالفعل في مناقشة مشروع القانون بشكل مبدأي.
وأشار الدكتور أسامة العبد، رئيس لجنة الشئون الدينية، إلى أن اللجنة ستضع توصيات بشأن مشروع قانون بناء الكنائس لرفعها فى خطاب إلى رئيس المجلس كي يتم رفعه إلى باقي اللجان اﻷعضاء في اللجنة المشتركة، حسبمانقلت صحيفة اليوم السابع.
ورغم أن مشروع القانون سيتم إحالته لاحقًا إلى اللجنة المشتركة لمناقشته، إلا أن لجنة الشئون الدينية، قررت، حسبما صرح “العبد”، اﻷخذ باقتراح قدمه المستشار بهاء الدين أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية والدستورية بالبرلمان، بأن يتضمن مشروع القانون كافة دور العبادة وليس الكنائس بمفردها.
وعلى الرغم من صراحة النص الدستوري فيما يتعلق بقانون لبناء وترميم الكنائس لكفالة حرية “المسيحيين” في ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أن اقتراح اللجنة توسيع نطاق القانون يثير أسئلة مشروعة حول مدى جدية النظام الحاكم في إصدار القانون.
وتنص المادة 235 من الدستور المصري على أن “يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية”.
من جانبه، أوضح إسحق إبراهيم، مسؤول ملف الحقوق واﻷقليات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لـ “مدى مصر” أن اقتراح قانون موحد لدور العبادة يخالف النص الدستوري الصريح. وأضاف أن اﻷمر ذاته طرح للمناقشة بعد حرق عدد كبير من الكنائس عقب اﻹطاحة بالرئيس اﻷسبق محمد مرسي في يوليو 2013 وأثناء مناقشة لجنة الخمسين لدستور 2014. وقال إبراهيم إن هيئة كبار العلماء باﻷزهر الشريف رفضت هذا الاقتراح وقتها بسبب عدم حاجتها للقانون، وهو الرفض الذي فسره بعدم رغبة الدولة سياسيًا ودينيًا في مساواة الكنائس بالمساجد.
فيما أوضح كمال زاخر، الكاتب القبطي ومؤسس التيار المسيحي العلماني، أن توحيد دور العبادة تحت مظلة قانون واحد يمثل خطوة على طريق بناء مجتمع مدني متساوٍ، إلا أن تحديد النص الدستوري بإصدار “قانون لبناء وترميم الكنائس” قد يهدد القانون بعدم الدستورية.
وحاول “مدى مصر” التواصل مع القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة اﻷرثوذكسية لسؤاله حول موقف الكنيسة من التوجه الجديد، لكنه لم يرد على أي مكالمات أو رسائل.
وبينما تناقش اللجنة مشروع القانون المقدم من حزب الوفد، لم تقم الحكومة بإرسال مشروع القانون الخاص بها إلى المجلس بعد، حسبما صرح الدكتور عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بالمجلس، لـ “مدى مصر”. وأضاف حمروش أن اللجنة فى انتظار مشروع الحكومة لقانون بناء وترميم الكنائس، موضحًا أن مشروع الحكومة هو اﻷقرب ﻷنه يحظى بموافقة الكنائس الثلاثة. كما أكد على سعي اللجنة للانتهاء منه قبل فض دور الانعقاد الأول، طبقًا للنص الدستوري.
كان بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثانى، قد خرج عن صمته فيما يتعلق بالجدل الدائر حول القانون عبر مقال كتبه بمجلة الكرازة المرقسية منتصف الشهر الماضي.
واستعرض البابا فى مقاله تاريخ القوانين المتعلقة بحقوق المسيحيين، وقال إن الرئيس أنور السادات شكل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث العنف الطائفي التي شهدتها منطقة الخانكة بالقاهرة عام 1972، ووضعت تقريرها الذي تضمن “شرحًا وافيًا أن بناء الكنائس يجد تعسفًا وتضييقًا”، و”وضع التقرير علاجات شافية لما يسمى بالفتنة الطائفية في أكثر من ثلاثين بندًا، وهي البنود التي ظلت حبيسة في اﻷدراج حتى اﻵن”، بحسب وصف البابا.
وأضاف البابا أنه “مع تزايد السكان صار بناء كنيسة أمرًا عسيرًا، مع تعنت كل مسئول بلا سبب سوى التمييز والتضييق، وأدى ذلك لحدوث وجع فى جسد الوطن، ومع اشتداد الأزمات فى توفير مكان للعبادة للمسيحيين وصدور قرارات بدت كتسهيلات، إلا أن التعقيدات ما زالت كما هى، وكأن التجمع والصلاة والعبادة للمسيحيين المصريين صارت مُجرّمة، وأن المسيحى لا يستطيع أن يقابل ربه إلا بتصريح”.
ويأتي النقاش حول مشروع القانون على خلفية غضب قبطي بعد تصاعد أحداث العنف الطائفي في الشهور اﻷخيرة، والتي يأتي بناء وترميم الكنائس كأحد أهم أسبابها، حسبما أوضح بيان أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بمناسبة إطلاقها حملة “مغلق لدواعٍ أمنية” من أجل قانون منصف لبناء الكنائس.
كان 24 شخصًا، يمثلون عائلة من خمس أسر من أقباط قرية “كوم اللوفي” بمحافظة المنيا، قد نزحوا إلى القاهرة هذا الأسبوع للمطالبة بمحاسبة المشاركين في اعتداءات طائفية شهدتها قريتهم في الثلاثين من يونيو الماضي، بعد انتشار شائعات عن تحويل منازلهم لكنيسة، وهي الاعتداءات التي أدت إلى حرق وتدمير منازل وممتلكات الأسر الخمسة. وأوضح عدد من أفراد العائلة لمدى مصر أن تلك الخطوة جاءت بعدما قررت النيابة العامة إخلاء سبيل جميع المتهمين في الواقعة بكفالة قدرها ألف جنيه لكل منهم.
كذلك قررت النيابة إخلاء سبيل المتهمين في حادثة “الكرم”، وكذلك المتهمين في حادثة “نزلة يعقوب”، وهي أحداث عنف طائفي اشتعلت في المنيا أيضًا خلال الشهور القليلة الماضية.
من جانبه، يرى إسحق إبراهيم أن طريقة تعامل الدولة مع هذه القضايا تشير إلى عدم وجود أي تغيير في سياستها فيما يخص ملف العنف الطائفي.
كانت منظمة “التضامن القبطي”، وهي منظمة تهدف إلى مناصرة المواطنة والمساواة للأقباط في مصر والأقليات في الشرق الأوسط، قد دعت إلى التظاهر أمام البيت اﻷبيض في واشنطن احتجاجًا على تصاعد أحداث العنف الطائفي اﻷخيرة، وهي المظاهرة التي حاول البابا منعها.
كان البابا قد أعرب عن غضبه أثناء استقباله أعضاء لجنة الشؤون الدينية البرلمانية أواخر الشهر الماضي، قائلًا “أنا عن نفسي صبور ومتحمل، لكن أمامي تقرير عن الاعتداءات الطائفية منذ 2013، بلغت 37 حادثة فى المنيا فقط بمعدل اعتداء كل شهر”، حسبما نقلت صحيفة المصري اليوم.
وأعرب البابا عن خشيته من تشريع البرلمان لقانون جديد ينظم بناء الكنائس تضطر الكنيسة لرفضه، مطالبًا بالشفافية فى إعلان ما يدور فى البرلمان.
وبعد اشتراك البابا في الجدل الدائر حول القانون، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي باستقباله في قصر الاتحادية أواخر الشهر الماضي.
وقال المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، القس بولس حليم، في تصريحات لـ “مدى مصر” وقتها، إن السيسي رحب بوفد الكنيسة وأشار لـ “التحديات التي تواجه الوطن”، والتي تتطلب “وحدة الصف الوطني”.
وأضاف المتحدث باسم الكنيسة أن الأنبا بولا، أسقف طنطا وعضو اللجنة المشكلة من الكنيسة لمناقشة قانون بناء وترميم الكنائس، والذي رافق تواضروس في زيارة الاتحادية، توجه بالشكر للسيسي لتدخله السريع من أجل الوصول لتوافق حول القانون، حيث تم التعاطي بجدية مع مقترحات الكنيسة فيما يخص مشروع القانون.
وعلى الرغم من التصريحات المشجعة بعد لقاء السيسي مع البابا، إلا أن شيئًا لم يتحرك على أرض الواقع.
فيما يرى “إبراهيم” أن مشروع القانون الذي تقترحه الحكومة أسوأ من سابقه، حيث يتطلب الحصول على موافقتين، اﻷولى قبل الشروع في أي خطوات لبناء كنيسة، والثانية كترخيص البناء، كما يتطلب إحاطة الكنيسة بسور رغم عدم تناسب الشرط مع الكثير من الكنائس خصوصًا في الصعيد. كما حدد مشروع القانون طبيعة الهيكل والمنار ومكان المعمودية داخل الكنائس، وهو ما يراه “إبراهيم” غير ملائم لمختلف الكنائس. معتبرًا أن مشروع قانون الحكومة يعيد إنتاج قرار العزبي باشا فيما يتعلق بتنظيم بناء الكنائس.
“هناك خطاب يتحدث عن دولة القانون والمساواة”، يقول “إبراهيم” لكنه يستدرك قائلًا “لكن الفعل على أرض الواقع يخالف تمامًا هذه الخطاب”.
من جانبه، يرى “زاخر” أن حالة التخبط الحالية في أروقة مجلس النواب والحكومة تتسبب في الكثير من الريبة والشك تجاه نوايا الحكومة، وما إذا كان هناك أي تغيير في سياسة الدولة في قضية حساسة كهذه القضية.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن