أقباط “كوم اللوفي”: “لو القانون والريّس مش هينصفونا يطلعونا من البلد”

في رد فعل سريع للإفراج عن متهمين بالتعدي عليهم، انتقل 24 شخصًا، يمثلون عائلة من خمس أسر من أقباط قرية “كوم اللوفي” بمحافظة المنيا، إلى القاهرة صباح اليوم، الإثنين، للمطالبة بمحاسبة المشاركين في -والمحرضين على- اعتداءات طائفية شهدتها قريتهم في الثلاثين من يونيو الماضي، وهي الاعتداءات التي التي أدت إلى حرق وتدمير منازل وممتلكات الأسر الخمسة بعد انتشار شائعات عن تحويل منازلهم لكنيسة.

كانت قوات الأمن قد ألقت وقتها القبض على قرابة 22 متهمًا، إلا أن النيابة أخلت، أمس، الأحد، سبيل المتهمين جميعًا بكفالة مالية قدرها ألف جنيه لكل منهم، ما دفع المجني عليهم من الأقباط لترك القرية والاتجاه إلى القاهرة لمحاولة إيصال أصواتهم إلى أيٍ من المسئولين.

في القاهرة، وبعد أن تركوا النساء والأطفال في مكان آمن، بدأ رجال العائلة الست رحلتهم بالوصول إلى مجلس النواب، عازمين التوجه بعد ذلك إلى مكتب النائب العام، مع تفكير جدي في الذهاب لاحقًا إلى قصر الاتحادية، بحثًا عن عدالة منشودة.

وفي حين دخل ثلاثة من رجال العائلة إلى مقر مجلس النواب بالفعل، للقاء النائبين عماد جاد ونادية هنري، بقى في الانتظار أمام مقر المجلس ثلاثة آخرين، التقاهم “مدى مصر”.

أمير خلف، أحد أفراد العائلة المتواجدين أمام مقر المجلس قال لـ “مدى مصر” إن عائلته، المكونة من أربعة أشقاء وزوجاتهم وأبنائهم بالإضافة إلى والدته، تقيم على قطعة أرض تقدر بقيراطين. وأن الأحداث بدأت حينما شرع أخوين منهما في بناء نصيبهما في الأرض، والمقدر بـ 65 مترًا لكل منهم، لأغراض شخصية.

يتذكر “خلف”: “فوجئنا في 29 يونيو اللي فات بشيخ البلد بيهددنا وبيقولنا: لازم نوقف البناء لإننا عايزين نبني كنيسة عليها والبلد مقلوبة. حلفنالهم ميت يمين إننا بنبني شقق لينا، وكتبنا إقرارات بكده على نفسنا في المركز وقدام كل الناس، لكن برضه ماحدش صدقنا”.

وأوضح “خلف” أن أخيه الأكبر، إبراهيم، لديه زوجة وستة أطفال يعيشون بالفعل في 65 مترًا، وتساءل: “فمنين هنبني كنيسة على 65 متر؟”.

واتهم “خلف” المجلس المحلي التابعة له القرية بالتزوير في أوراق رسمية لإثبات أن المجني عليهم كانوا ينوون بناء كنيسة بدون تصريح، قائلًا: “ارتفاع عواميد الخرسانة كان 3,80 متر، كتبوا في تقرير المجلس المحلي إن العواميد 5,20 متر عشان يأكدوا إننا بنبني كنيسة، والنيابة جت بعد كده وأثبتت إن الكلام ده مش حقيقي”.

استكمل “خلف” قائلًا إن من أسماهم بـ “الإخوان والسلفيين” قد تجمعوا في “ذكرى ثورة يونيو”، على حد قوله، ونهبوا البيوت المقامة بالفعل ثم أحرقوها، بالإضافة إلى حرق المنزلين تحت الإنشاء واللذين كانا محل النزاع، واستدرك: “قالولنا مش هتبنوا كنيسة هنا يا ولاد صلبان الكلب، هنهدم الكنيسة ونبني مكانها جامع. كانوا بياخدوا مننا العيال عشان يرموهم في النار، وشدوا مراتي من دراعها وكانوا عايزين يغتصبوها، هربنا منهم في نص الليل بالهدوم اللي علينا واستخبينا منهم في الزرع، وماحدش رحمنا”.

%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d9%84%d8%a9-%d9%8a%d8%ad%d9%85%d9%84-%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ad%d8%b6%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa

أحد أفراد العائلة يحمل صورة المحضر

آثار الاعتداء على منازل العائلة

آثار الاعتداء على منازل العائلة

آثار الاعتداء على منازل المنازل 2

آثار الاعتداء على منازل الأسرة

فيما أضاف أن عائلته المكونة من 24 شخصًا قد انتقلت للعيش في “جراج” مساحته خمسة مترات في أربعة مترات، في حراسة الشرطة، يقول: “تخيلي أطفال وستات وناس كبيرة في السن عايشين في مساحة زي دي من غير حمام ولا ميّه ولا كهربا. كنا بنعمل نبطشيات للنوم عشان المكان يساعنا”.

صورة من داخل الجراج الذي انتقلت له العائلة

من داخل الجراج الذي انتقلت له العائلة

وفيما يخص الأنباء التي ترددت عن قبولهم بالصلح، قال “خلف” إن عائلته لم تقبل بالصلح إطلاقًا على عكس ما تداولته وسائل الإعلام، خاصة مع تزايد التهديدات بالقتل في حال استمرار رفض الصلح، حسبما قال، وأضاف: “كانوا بيقولولنا كبيركم خزنة رشاش والحكومة مش هتنفعكم ولا تحميكم، والشرطة فعلًا ما حمِتناش، لما أفرجوا عنهم امبارح عملوا زفة وزغاريد والشرطة كانت بتحرسهم هما مش إحنا”.

وقدّر “خلف” الخسائر الناجمة عن تدمير ممتلكات أسرته بمائتي ألف جنيه على الأقل: “أخويا كان عنده مَكَن ومغسلة ومراته خياطة، كل هدوم البلد كانت عنده هو ومراته، كل ده راح، سرقوا الدهب والحاجات الغالية وحرقوا اللي ماعرفوش يسرقوه. أنا عريس جديد.. عفشي وجهازي كله اتسرق”. وأضاف أن محافظ المنيا صرف إعانات عاجلة بقيمة خمسة عشر ألف جنيه لكل أسرة، والتي رأى خلف أنها “ولا حاجة”.

وبحسب رواية أفراد العائلة المتواجدين أمام مقر البرلمان، لم يسلم خال “خلف” المسن، عيسى جاد الله، من حالة العنف السائدة، على الرغم من إقامته بعيدًا عن مكان الأحداث، إذ تم إحراق سيارته التي تمثل مصدر رزقه الوحيد.

وأوضح “خلف” أن إفراد عائلته يشعرون بالتهديد والخوف الشديد على حياتهم، مما حدا بهم لمغادرة القرية والمجيء للقاهرة، وأضاف: “لو القانون والريس مش هينصفونا، يطلعونا من البلد بقى، إحنا مش راجعين كوم اللوفي غير لما ناخد حقنا”.

كانت محافظة المنيا قد شهدت سلسلة من الأحداث الطائفية المشابهة في الفترة الأخيرة، حيث تم الاعتداء على سيدة مسنة بقرية الكرم وسحلها عارية بعد شائعات عن تورط ابنها في علاقة مع سيدة مسلمة بالقرية مما أدى أيضا لحرق منازل بعض ساكني القرية من الأقباط، وألقت الشرطة على عدد من المتهمين، تم إخلاء سبيلهم جميعًا على ذمة القضية. وفي حادثة أخرى، قُتل ابن عم قسيس وأصيب ثلاثة آخرون من عائلته بعد إشاعات مشابهة عن تحويل مبنى سكني لكنيسة.

وفي سياق متصل، سلمت الحكومة والكنائس المصرية الثلاث مشروع قانون “تنظيم بناء الكنائس” إلى مجلس الدولة الأسبوع الماضي تمهيدا لعرضه على مجلس النواب، وهو القانون الذي يزعمون أنه من المنتظر أن يحل أزمة بناء الكنائس، والتي غدت سببا رئيسيا لمعظم أشكال العنف الطائفي ضد الأقباط، سواء في حالات بناء كنائس فعليًا، أو مجرد كون الأمر شائعة عن بناء كنيسة، كما هو الحال مع أقباط كوم اللوفي.

وعلى الرغم من مباركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحديدا لمشروع القانون، إلا أن مراقبين انتقدوا المشروع لاحتوائه على عبارات عامة وفضفاضة تعيد إنتاج القوانين الحالية المقيدة لبناء الكنائس.

وفي السياق نفسه، دشنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حملة “مغلق لدواع أمنية” لخلق الوعي حول عملية بناء الكنائس في مصر وكيفية تعامل السلطة معها من أجل إصدار قانون أكثر إنصافًا لتنظيم عملية بناء الكنائس.

وفي حوار مع “مدى مصر” وصف الباحث بـ “المبادرة” إسحاق إبراهيم مشروع القانون بـ “الكارثي”، مضيفًا أنه يشتمل على الكثير من المواد المطاطة المصاغة بشكل مبهم، ما من شأنه أن يعرقل عملية بناء الكنائس ربما بشكل أكبر من القوانين القديمة الموجودة بالفعل.

ويقترح مشروع القانون أن يتم تقديم طلب لترخيص بناء كنيسة للمحافظ المختص، والذي بدوره يصدر قراره بالموافقة أو رفض الترخيص “بعد الرجوع للجهات المعنية”، وهو ما يرى إبراهيم أنه يفتح المجال واسعًا أمام التدخلات الأمنية، بالإضافة إلى الغموض المحيط بأسباب رفض التراخيص. كما يشترط مشروع القانون ضرورة أن يتماشى حجم الكنيسة مع “عدد واحتياجات المواطنين الأقباط” في المنطقة التي ستبنى فيها الكنيسة، مما قد يؤدي لتعقيدات أشد أثناء تطبيق القانون.

وأعلنت المبادرة كجزء من حملتها أن عدد القرارات الجمهورية الصادرة من 25 يناير وحتى الآن لبناء كنائس قُدرت بنحو عشرة قرارات فقط، ولم يتسن معرفة ما إذا كانت هذه القرارات بخصوص كنائس مقامة بالفعل وتتطلب ترخيصا أم كنائس جديدة. وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي ستة قرارات لبناء كنائس، بالمقارنة بثلاثة قرارات في عهد الرئيس السابق عدلي منصور، وقرارا واحدا في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، بينما لم تصدر أي قرارات في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

اعلان

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن