اتحاد شباب ماسبيرو.. سياسة ما بعد المذبحة
 
 

“بين شقي رحى” هكذا رأى مينا ثابت- أحد مؤسسي اتحاد شباب ماسبيرو- حال الاتحاد بعد أحداث 30 يونيو من العام 2013، مفسرًا: “وجد الاتحاد نفسه- كما وجد الأقباط أنفسهم- بين نظام قمعي أغلق المجال العام من ناحية، وإرهاب لا يمكن إنكاره من الناحية الأخرى”.

 

كان الاتحاد قد تأسس عام 2011، عقب ثورة 25 يناير، في محاولة لتنظيم اعتصام ضم أعدادًا غفيرة من الأقباط في منطقة ماسبيرو، احتجاجًا على تكرار أحداث العنف الطائفي والاعتداء على الكنائس، وتطور إلى تنظيم تظاهرة ضمت عشرات الآلاف من المواطنين، جابت مناطق واسعة من القاهرة حتى هاجمتها قوات من الجيش في منطقة ماسبيرو، ما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين دهسًا تحت المركبات العسكرية، وبرصاص الجنود، في التاسع من أكتوبر قبل أربع سنوات، في ما عُرف  بـ”مذبحة ماسبيرو”.

 

يقول ثابت إنه يمكن إدراك الأزمة التي يعيشونها عند النظر إلى انتهاكات واسعة النطاق من النظام مثل مقتل المئات- من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي- أثناء فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، في المقابل، شهد اليوم نفسه أعمالًا انتقامية من قبل منتمين للقوى الإسلامية ضد الاقباط في 17 محافظة، بحسب تقديرات المجلس القومي لحقوق الإنسان، واستهدفت تلك الأعمال الكنائس بصورة خاصة.

 

وقتها، أصدر اتحاد شباب ماسبيرو تقريرًا عن تلك الاعتداءات على الكنائس وممتلكات الأقباط، ورصد الاتحاد حرق 38 كنيسة، والاعتداء على 23 كنيسة بإلقاء الحجارة والمولوتوف وإطلاق الأعيرة النارية وحصارها، وحرق 6 مدارس فى مختلف المحافظات وحرق 7 منشآت تابعة للكنائس، حدثت كلها يوم فض اعتصام رابعة العدوية.

 

كما رصد الاتحاد ما قال إنها اعتداءات من مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسى على 58 منزلا، و85 محلا تجاريا و16 صيدلية بمختلف المحافظات، و3 فنادق و75 حافلة وسيارة مملوكة للكنائس والأقباط.

 

ويُرجع ثابت تراجع نشاط الاتحاد بعد أحداث 30 يونيو إلى ما اعتبره “غلقا تاما (من قبل الدولة) للمجال العام”.

مضيفًا: “لا يمكن الزعم بأن وضع اتحاد شباب ماسبيرو الحالي يختلف كثيرًا عن وضع غيره من الكيانات والحركات المؤيدة للثورة”، مفسرًا: “حركة 6 أبريل على سبيل المثال حاولت ذات مرة التظاهر في الصحراء وانتهى الأمر باعتقال أعضائها”.

 

أما هاني رمسيس- أحد مؤسسي اتحاد شباب ماسبيرو- فيقول إن الاتحاد قرر منذ صدور قانون التظاهر اللجوء لأي آليات عمل أخرى بخلاف التظاهر ، “تجنبا لخرق القانون من ناحية أو الاضطرار لطلب تصريح بالتظاهر من وزارة الداخلية من ناحية أخرى”.

 

وأوضح رمسيس قائلًا: “لا يبرر الاتحاد أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو للحريات العامة.. لكننا بشكل عام نتفهم محاولة الدولة مواجهة عنف مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين خلال تظاهراتهم عبر محاولة مصادرة حق التظاهر عموما”.

 

بينما يعترف مينا مجدي، وهو المنسق العام الحالي لاتحاد شباب ماسبيرو، بأن لهجة الاتحاد في انتقاد الدولة اصبحت أقل حدة قياسا للهجتهم سابقًا في الفترة الانتقالية الأولى أثناء تولى  فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم، وفترة حكم الرئيس محمد مرسي.

 

ويشرح: “إلا أن السبب في ذلك يبدو واضحا على كل حال وهو تراجع زخم حركة المطالب الديموقراطية عموما، التي يعد الاتحاد نفسه جزءا منها”.

غير أن الاتحاد أصدر في فبراير الماضي بيانا شديد اللهجة نسبيا، بشأن مقتل العمال الأقباط في ليبيا، حمّل فيه الدولة جانبا من المسئولية في ما حدث، وهو ما عرض الاتحاد لانتقادات عنيفة من قبل عدد من إعلاميين موالين للنظام الحالي.

 

احد مؤسسي الاتحاد الذي طلب عدم ذكر اسمه قال إن الكنيسة بعد أحداث 30 يونيو، وفي محاولة لتهميش الاتحاد، لجأت إلى اختلاق حركات ومجموعات وتحالفات من خارج الكنيسة، لكن موالية لها في مواجهة الاتحاد نفسه .

 

وتابع: “لا يمكن القول بأن الكنيسة كلها تبنت هذا الأسلوب.. بل هو أسلوب اعتمدته مجموعات مصالح بعينها داخل الكنيسة، التي لا تعد كيانا مصمتا متجانسا تماما بل تضم عددًا من المصالح المتعارضة في أحيان كثيرة”.

 

وصنف تقرير سابق للمبادرة المصرية لحقوق الانسان الحركات القبطية بعد الثورة إلى ثلاثة أنواع: حركات دينية مسيحية تعبر عن موقف ديني، مثل “حماة اﻹيمان”، وهذه الحركات تعبر عن مواقف بعض رجال الدين. وحركات تعبر عن مطلب يشتبك مع حق من حقوق الأقباط، وهذا الحق تنظمه الكنيسة أو تعترض طريقه، وأشهر اﻷمثلة لهذه الحركات، الحركات الخاصة بالمطالب التي تتعلق باﻷحوال الشخصية، مثل مجموعة “الحق في الحياة”، و”منكوبي اﻷحوال الشخصية”، و”اﻻنسلاخ من الملة”، و”أقباط 38”.

 

وأخيرًا حركات نشأت في ظروف لها علاقة بمطالب اﻷقباط، ولكنها اشتبكت مع قضايا تخص الشأن المصري العام، وكان لها وجود في التظاهر على قضايا عامة، أو اشتبكت مع موضوعات لها طبيعة سياسية، ويعد اتحاد شباب ماسبيرو أبرز الأمثلة على النوع الثالث.

 

ويرى اسحق إبراهيم- الباحث ومسئول ملف حرية المعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- أن محاولة عدد من الحركات القبطية ذات الطابع المدني، ومن أبرزها اتحاد شباب ماسبيرو، رفع يد الكنيسة عن الهيمنة على تمثيل الأقباط سياسيا نجح في التأثير على الدولة والكنيسة معا، “كما حدث مثلا في الضغط على ممثلي الكنيسة في الجمعية التأسيسية للدستور في العام 2012 للانسحاب وهو ما اضطرت الكنيسة فعلا إلى الاستجابة له” على حد قوله.

 

واستكمل إبراهيم: “لكن تلك الحركات وجدت نفسها في مواجهة أطراف ذات توجهات سياسية محافظة وتقليدية كالدولة نفسها وجماعة الإخوان المسلمين، فالأولى نجحت بالفعل بعد (أحداث 30 يونيو) في استعادة دور الكنيسة كممثل للأقباط، وهو ما حاولت جماعة الإخوان فعله لكنها لم تنجح في مسعاها تماما لأن المجال بقى مفتوحا في كل الأحوال أمام حق التعبير والتظاهر”.

 

وقال إن حركات الشباب القبطي تواجه عموما مصاعب بالغة بعد 30 يونيو، أهمها تلك المتعلقة بالمناخ العام، ومنها الابتزاز المتعلق بضرورة موالاة الدولة في مواجهة خطر جماعة الإخوان المسلمين، والذي وجدت قطاعات كبيرة من الأقباط نفسها في مواجهته، وهو ما أدى بدوره لتراجع تأثير تلك الحركات بين الأقباط .

 

مضيفا: “ثمة مصاعب أخرى بنيوية تتعلق بقدرتها (الحركات القبطية)الذاتية على مواصلة العمل في ظل تلك المتغيرات”.

واختتم إبراهيم حديثه لـ “مدى مصر” بقوله إن اتحاد شباب ماسبيرو يواجه تحديين :”الأول هو الوصول لآليات مناسبة للعمل في ظل حظر التظاهر حاليا، والثاني هو محاولة استكمال بناء هيكل تنظيمي”.

 
اعلان
 
 
بيسان كساب 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن