“المساح ـ والي”.. كيف يختار المصريون أزماتهم؟
 
 

خلال الأيام الثلاثة الماضية، تابع المصريون تفاصيل الأزمة التي كان طرفاها الدكتور حسام المساح، رئيس المجلس القومي لشئون الإعاقة، والدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الإجتماعي، دون أن يلتفتوا لكونها جزء من أزمة أكبر بين رئاسة مجلس الوزراء والمجلس القومي لشئون الإعاقة، فما الذي جعل العيون تغفل عن الأزمة الأكبر، لتلفت فقط للأزمة الأصغر؟ الإجابة: عدة عوامل، حين ننظر إليها، ندرك كيف يمتلك أبناء هذا الشعب القدرة على اختلاق أزمة من لا شيئ.

بداية الحكاية أتت مع إصدار رئيس مجلس الوزراء، إبراهيم محلب، قرارًا رقم 1758 لسنة 2014 بنقل تبعية المجلس القومي لشئون الإعاقة إلى وزارة التضامن الإجتماعي، بعدما كان يتبع رئاسة الوزراء مباشرة، هذا القرار دفع الدكتور المساح لتقديم استقالته لمحلب، كنوع من إعلان رفضه للقرار الذي أتى دون مشاورة مع المجلس القومي لشئون الإعاقة أو ممثليه، حسب تصريحات المساح، الذي اعتبر أن هذا القرار يعد إهدارًا لحقوق المعاقين التى كفلها لهم الدستور المصري الجديد في مادته رقم 214، والذي كان المساح أحد أعضاء اللجنة التي قامت على كتابته، كما أعلن المساح أن استقالته سارية لحين العدول عن قرار نقل تبعية المجلس.

إثر إعلان المساح استقالته، استضافه عدد من البرامج التليفزيونية، والتي كان برنامج “90 دقيقة” على شاشة “المحور” أحدها، وذلك في حلقة يوم الخميس 18 سبتمبر، وخلال اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة على الهواء، قامت مقدمة البرنامج، إيمان الحصري، بعمل مداخلة مع وزيرة التضامن الإجتماعي، التي طلبت من المذيعة أن تعيد عليها ما يقوله المساح، كونها لم تستطع فهم كلامه بشكل دقيق، نتيجة وجودها فى مكان لا يتمتع بتغطية جيدة لشبكة المحمول، حسب ما قالت، وهو ما تجاوبت معه الحصري، وبررته للمساح أكثر من مرة بالتبرير نفسه الذي قالته الوزيرة، فضلًا عن استشعارها عدم قدرة الوزيرة على فهم بعض ما يقوله المساح بسبب صعوبة النطق الناتجة عن إعاقته، والتي لم تمنعه من الاستشهاد بالقانون بصورة بارعة فى حديثة.

وفي معرض دفاعها عن القرار، قالت والي أنها لم تكن على علم مسبق بالقرار، كما أنها ليست ملمة بكافة جوانبه القانونية لكونها علمت به بمجرد عودتها من السفر، بالإضافة لانشغالها بمتابعة سفر الحجيج المصريين، غير أنها نفت أن يكون القرار ينتقص من صلاحيات المجلس القومي لشئون الإعاقة، مؤكدة أنه أتى من حرص رئيس الوزراء على هذا المجلس، خاصة مع عدم قدرته على متابعته شخصيًا لتعدد مهامه المنوط به متابعتها، بحسب ما قالت، وأكدت أيضًا أنها ستجلس مع أعضاء المجلس القومي لشئون المعاقين لسماع وجهة نظرهم، كما دعت المساح للقاء يجمعهما لمناقشة القرار وتبعاته.

المشكلة كانت أن الدكتور المساح فهم من كلام الوزيرة أنها تتعالى على إعاقته، وأثر فيه أنها “تفهم كلام المذيعة ولا تفهم كلام المعاق” بحسب ما قال، وهو ما جعله يتساءل: “إن كانت لا تفهم كلام المعاق، فكيف ستتفاهم مع المعاقين؟”، وهو ما جعله يغضب بشدة على الهواء، ويطلب من الحصري قراءة نص استقالته بوضوح، وكان ذلك بعد أن أنهت الوزيرة المداخلة التى قالت فى جزء منها أنها كانت قد اعتذرت لمُعد البرنامج عن القيام بها لكونها في مكان ليست به تغطية جيدة، وهو ما أكدته الحصري مرة ثانية، قائلة للمساح: “وأنا بأؤكد إن مشكلتها بس إن الصوت مش واضح”. الغريب أنه فى نهاية المداخلة التى استمرت حوالي 18 دقيقة قالت الحصري: “نشكر الوزيرة على مداخلتها المتعالية!”.

بعد مداخلة والي، كانت هناك مداخلة أخرى من السفير حسام القاويش، المتحدث باسم مجلس الوزراء، والذي تمتع خلالها بنبرة هادئة، وهو يوضح أسباب صدور القرار محل الأزمة، وطلب من المساح تحديد موعد يناسبه للاجتماع به في مجلس الوزراء ومناقشة القرار، وهو ما وافق عليه المساح، وتبادل المزاح مع القاويش، رغم أنه قال خلال مداخلة القاويش أنه طلب لقاء رئيس الوزراء أكثر من مرة قبل تقديم استقالته وقيل له “مفيش وقت”.. وبنهاية المداخلة قامت الحصري بتقديم الشكر للقاويش على “الطريقة المحترمة لأى مسئول بنحاول نتواصل معاه” بحسب قولها.

المساح، وبعد مداخلة القاويش، قال أنه بعد صدور القرار أبلغ أحد المسؤولين برئاسة الوزراء أنه يرغب في مقابلة محلب وإلا سيتقدم باستقالته، فقيل له “وإيه يعنى؟”.. وبعدها تلقى اتصالًا من المسؤول الذى رفض ذكر اسمه أو منصبه، يسأله “فين يا عم الاستقالة بتاعتك؟”، فما كان منه إلا أن ذهب لمقر مجلس الوزراء وسلمها للأمن ليقوم بتوصيلها للمسؤول الذي تواصل معه.

وقبل نهاية الحلقة كانت هناك مداخلة أخرى مع الدكتور هاني يونس، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، والذى أكد للمساح على أن محلب سيقابله خلال أيام لمناقشة القرار، الذي أعاد التأكيد على كونه صدر لعدم استطاعة رئيس الوزراء التفرغ لمتابعة شئون المجلس القومي لشئون المعاقين، وهي المداخلة التي قال المساح خلاله أنه لا يعيب على رئيس الوزراء في صدور قراره، بل يعيب على مستشاريه القانونيين، قبل أن يؤكد على كون استقالته نهائية، حتى وإن تم تعديل القرار، معتبرًا أن الوزيرة أهانته، وهو لا يقبل الإهانة.

الحلقة التي استمرت قرابة الساعة، ونشرتها قناة “المحور” على صفحتها على يوتيوب تحت عنوان “د. حسام المساح يبكي على الهواء بسبب وزيرة التضامن ولن أتراجع عن الاستقالة”، أثارت شهية عدد كبير من المواقع الإخبارية، التى أبرزت ما قالته الوزيرة حين طلبت من المذيعة إعادة ما يقوله المساح، ونشر معظم هذه المواقع أجزاء من الحلقة يظهر فيها المساح وهو منفعل بسبب ما اعتبره إهانة من الوزيرة، وهي المقاطع التى لاقت انتشارًا واسعًا على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، التي تفجرت عليها موجات غاضبة بسبب ما نُسب للوزيرة من إهانة للمساح، وطالب الكثيرون على تلك المواقع بأن يقيل رئيس الوزراء وزيرة التضامن بسبب إهانتها للدكتور المساح، بل ووصل الأمر أن بعضهم قرر أن المساح قدم استقالته بسبب إهانة الوزيرة له، دون أن يهتم أحد بمشاهدة الفيديو الكامل للحلقة لمعرفة حقيقة ما جرى. كما تقدم محامون بمركز “الحقانية” للمحاماة والقانون ببلاغ للنائب العام ضد والي، بتهمة إهانة أمين عام المجلس القومي للمعاقين بصفته، ونشرت صفحة المركز على فيسبوك خبر تقديم البلاغ مصحوبًا بـ”هاشتاج” #أقيلوا_وزيرة_التضامن_الاجتماعي.

الغريب في الأمر أن وزيرة التضامن صرحت، في نفس يوم الحلقة الأزمة، لصحيفة الأهرام، أن المجلس القومي لشئون المعاقين لم تٌنقل تبعيته لوزارة التضامن، بل أن كل ما حدث هو أنها ستقوم بالإشراف على المجلس.  قبل أن تعود أمس للتأكيد في بيان صحفي على أن قرار رئيس مجلس الوزراء الخاص بالمجلس القومي لشئون الإعاقة لا يترتب عليه ضم المجلس لوزارة التضامن، فـ”رئيس مجلس الوزراء مستمر في رئاسة مجلس الإدارة، وقد فوضها بمتابعة طلبات ذوي الاحتياجات الخاصة” بحسب البيان.

والمثير أنه بعد يومين من تلك الواقعة، وتحديدًا يوم السبت الماضي، أعلن القاويش أن محلب قَبِل استقالة المساح من رئاسة المجلس القومي لشئون المعاقين، كما صرح أن المجلس القومي للإعاقة لم يقدم الخدمات المطلوبة للمعاقين، ولم يعقد اجتماعات قبل نقل تبعيته لوزارة التضامن الإجتماعي، وأشار إلى أن رئيس الوزراء أوضح للدكتور المساح أن نقل تبعية مجلس الوزراء لوزارة التضامن يهدف لتقديم خدمات أفضل للمعاقين، وهي التصريحات التي لم يهتم أحد من مستخدمي مواقع التواصل بنشرها أو الإلتفات لها، بينما بقي الاهتمام منصبًا على مشكلة “المساح ـ والي”، خاصة مع تركيز البرنامج الذي حدثت به الأزمة، ومقدمته، على استمرار الحديث عنها في اليوم التالي، عن طريق إبراز الجزء الذى تأثر فيه المساح، ليبقى في النهاية أى حديث عن مدى مخالفة قرار رئيس مجلس الوزراء للدستور بعيدًا عن دائرة الاهتمام، تمامًا كحال أى حديث عن ما أظهرته الأزمة من أن اتخاذ هذا القرار أتى دون مشاورة مع أطراف المشكلة، سواء من تم نقل تبعيتهم، أو من انتقلت إليه التبعية، بل كان قرارًا خرج من رئاسة الوزراء منفردة، مصحوبًا بتصريحات متضاربة من المسئولين، في تجسيد واضح لحالة عدم الشفافية التي تعاني منها قطاعات متعددة في مصر، ليبقى المصريون منشغلون بأزمات فرعية، بينما الأزمات الأعمق تمر دون أن يلتفت لها أحد.

المجلس القومي لشئون الإعاقة كان قد تم إنشاءه فى أبريل 2012، بقرار من رئيس الوزراء آنذاك كمال الجنزوري، نص فيه على “إنشاء المجلس القومى لشئون الإعاقة، على أن تكون له شخصية اعتبارية ويتبع رئيس مجلس الوزراء”، بعد أن كان سابقًا يتبع وزارة الشئون الاجتماعية، قبل أن يأتى الدستور الأخير ليمنح المجالس القومية ومنها المجلس القومى لشئون الإعاقة الاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وهو ما جعل المعترضين على قرار محلب الأخير يعتبرون أنه نكوص على الدستور.

كان عدد من أعضاء المجلس القومي لشئون الإعاقة، ومعهم عدد من ممثلي المعاقين قد بدأوا اعتصامًا مفتوحًا في مقر المجلس يوم الخميس الماضي اعتراضًا على قرار محلب، بينما أقام المحامي خالد حنفي دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، حملت رقم 86108 لسنة 68 قضائية، ضد كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس القومى لشئون الإعاقة، ووزيرة التضامن الاجتماعى، للمطالبة بإصدار حكم قضائى بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1758 لسنة 2014 بنقل تبعية المجلس القومى لشئون الإعاقة من رئاسة مجلس الوزراء إلى التضامن الاجتماعى. معتبرًا أن قرار محلب قد شابه الكثير من العوار القانونى والانحراف فى استعمال السلطة وعدم المشروعية، فضلًا عن كونه صدر من غير المختصين.

اعلان
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن