فوبيا الأصابع الأربعة
 
 

ألقي القبض على طالب في المرحلة الثانوية، ١٥ عامًا، محبوس احتياطيًا الآن بتهمة “حيازة مسطرة عليها علامة رابعة العدوية”. تم اعتقال طالب كفر الشيخ الأسبوع الماضي بعد أن أبلغ الشرطة عنه أحد مدرسيه.

هذا فقط هو المثال الأخير على حساسية السلطات الشديدة لانتشار الشعار الأصفر ذي الأصابع الأربعة، الذي رفعه الإخوان المسلمون كعلامة تضامن مع ضحايا فض الاعتصام الإسلامي في رابعة العدوية يوم ١٤ أغسطس.

بنهاية أكتوبر، عندما أظهر محمد يوسف دعمه المتواضع لمقتل العديد من أصدقائه في رابعة، أثار موجات من الجدل مازالت حتى الآن تتحرك في المشهد الاجتماعي المصري. يوسف بطل الكونغ فو الذي توّج أكثر من مرة، أقحم نفسه في الأزمة السياسية القومية عندما ارتدى تي شيرت يحمل علامة رابعة الصفراء “بالأربعة أصابع” وهو يلوح بيده بنفس العلامة بعد فوزه بالميدالية الذهبية في بطولة بروسيا.

وعلى الفور، حظي يوسف بمستوى شهرة جارف لم يكن يحظى به بعد فوزه بأي من انجازاته الرياضية، وبعد عدة أيام من الجدل العام وفرك الأيدي بانتظار ما سيحل على يوسف من عقاب، أوقف الاتحاد المصري للكونجغ فو اللاعب لمدة عام.

وخلال الجدل، كان يوسف صامدًا، اعتذر فقط لمدربه وأفراد فريقه على أية متاعب سببها لهم، لكن عامة بدا أنه رجل ليس لديه ما يندم عليه.

في إحدى المقابلات مع قناة الجزيرة، قال يوسف “كان لدي أصدقاء مقربين، أصدقاء منذ الطفولة ماتوا في رابعة. اعتبر بعض الناس أن ما فعلته بيانًا سياسيًا، لكن العلامة لا ترمز إلى أنني أنتمي إلى حزب أو فصيل، إنما تذكرني بالأصدقاء الذين فقدتهم في رابعة. كانت حركة إنسانية، لكنها أُخذت في الاعتبار بشكل سلبي. كان هناك الكثير من الاتهامات بأنني لست وطنيًا- لماذا؟ بسبب أنه كان لدي أصدقاء مصريين ماتوا؟ وعندما أتذكرهم، يصبح معنى ذلك أنني لست وطنيًا؟”

حدثت إشارة يوسف في ظروف غامضة نسبيًا، فرياضة الكونج فو ليست ذات شعبية كبيرة، أما البطولة فلم يكن معظم المصريين يعرفون شيئًا عنها، لكن بعد أسابيع قليلة، وجد مسؤولو الرياضة المصريين أنفسهم أمام العاصفة الكاملة.

فبعد إحراز هدف بثه التلفزيون المصري في نهائي دوري أبطال أفريقيا يوم ١٠ نوفمبر، قام هداف النادي الأهلي أحمد عبد الظاهر بالتلويح بالأربعة أصابع المفزعة أمام الكاميرا وسط احتفاله.

وعلى العكس من يوسف، كان عبد الظاهر أقل تحديًا للرأي العام في الأزمة التي أعقبت فعله. لم يظهر في مقابلات بل أصدر اعتذارا متواضعًا من خلال وكيله، إلا أن ذلك لم ينقذه، فأوقفه النادي الأهلي الذي أعلن أنه سيبيع عقد اللاعب إلى نادي آخر حالما يصبح ذلك ممكنًا، ولا تبدو فرصة لعب عبد الظاهر مع المنتخب القومي محتملة مرة أخرى. بعد أيام قليلة، سأل مذيع تلفزيوني مساعد المدرب ضياء السيد عما إذا كان هناك فرصة لعبد الظاهر أن يلعب في مبارات تأهل كأس العالم أمام غانا، ورد السيد برعب قائلاً “إذا استدعينا عبدالظاهر للعب، سيتم شنقنا من أعلى برج القاهرة!”

يقول شادي حميد، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، إن العقوبات القاسية للاعبين تبدو هادفة إلى ترهيب مقلديهم لكي لا يفعلون الشيء نفسه.

ويضيف “الشيء المثير هو ما إذا كان رياضيون أكثر مستعدين لتجربة ذلك أم أن العقوبات ستؤدي إلى ردع الآخرين. لا أعلم إذا كانوا قد توقعوا تلك العقوبات ومدى قسوتها”.

أما المسؤولون من الإخوان المسلمين وتابعهم حزب الحرية والعدالة فقد نظروا بعين الرضا الواضحة إلى تلك الوقائع المثيرة للجدل.

يقول إسلام عبد الرحمن، عضو لجنة الشؤون الخارجية في حزب الحرية والعدالة “لست متفاجئًا على الإطلاق، وسيتكرر الأمر”.

وقد سُر عبدالرحمن وزملاؤه كثيرا، ليس فقط من انتشار علامة اليد الصغيرة، وإنما أيضا من رد الفعل الهستيري الذي تسببت فيه من الإعلام الموجه بشدة ضد الإخوان. فبعد دقائق من مباراة الأهلي، ركزت معظم تغطية التلفزيون على انتقاد عبدالظاهر بدلاً من الاحتفال بانتصار الأهلي.

“عيّل جاهل مايسواش تلاتة صاغ، اللي اسمه عبد الظاهر ده، عمل بإيده الأربع صوابع! كانت أمه بتأكله مش وعيش مقدد، وكان لما بيحب يستحمى كان بينزلوه المصرف بتاع الغيط. خروف”، هكذا تشدق بصخبه المعتاد الموثوق به دائمًا توفيق عكاشة على قناة الفراعين.

أما عبدالرحمن الذي يعيش حاليًا خارج مصر خوفًا من الاعتقال، فقد قال إن رد الفعل الإعلامي العنيف والعقوبات القاسية للاعبين لن تؤدي إلا إلى تقوية قضية الإخوان المسلمين وزيادة الزخم، مضيفًا “لقد أتت بنتائج عكسية، ودائمًا ما تأتي بنتائج عكسية، فالناس قد نست نتيجة المباراة وركزت فقط على علامة رابعة، كان من الأذكى تجاهلها، هذا ماكان سيفعله نظام ذكي وواثق”.

وأكد عبد الرحمن رأي يوسف الذي يرى أن علامة رابعة لا تعني بالضرورة عضوية الإخوان المسلمين أو الإخلاص لهم، قائلا “الأمر ليس سياسيًا كله، بل مواطنين غير مسيسيين يشعرون بالأسف على ما حدث لضحايا رابعة بشكل إنساني”. لكن الإخوان المسلمين كانوا يروجون للعلامة منذ شهور بكثافة، مما جعلها، جنبًا إلى جنب مع صور الرئيس المعزول محمد مرسي، محط تركيز معظم الاحتجاجات مؤخرًا.

وتعتبر تلك الجدالات حديثة نسبيًا ونتيجة لانتشار الإعلام الاجتماعي الذي يهتم به المصريون، فعبد الظاهر أظهر إشارة رابعة لثانيتين فقط، إلا أن الصورة التي التقطت له بدأت فورًا في الانتشار على فيسبوك وتويتر، بما يضمن للحركة التي فعلها أن تظل موجودة تقريبًا للأبد.

السؤال الآن ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر ويتوسع، فالتدقيق في كل الرياضيين المصريين متزايد الآن وهناك خوف من السلطات من أن عدد المتعاطفين بين صفوف الرياضيين يتزايد، وهم بانتظار الفرصة لإحراج الحكومة بحركة مدتها ثلاث ثواني فقط. وهناك تكهنات بأن اتحاد الكونج فو بالكامل قيد التحقيق بسبب إيواء متعاطفين مع إسلاميين. حتى الرياضي المصري الأكثر شهرة، الهداف محمد أبو تريكة، كان مناصرًا علنيًا للرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، ودعمه في الانتخابات الرئاسية ودافع عنه حتى بعد استعراض القوة الدستوري الذي قلب معظم البلاد ضده.

لكن السلطات الرياضية اتخذت خطوات لضمان عدم استمرارية هذا الاتجاه أو انتشاره، فمنذ أيام قليلة، وضع نادي الزمالك الكروي قواعد جديدة تعاقب اللاعبين الذين يرفعون شعارات سياسية متشددة، تصل عقوبتها إلى الإيقاف عامين والغرامة بحد أقصى ٥٠٠ ألف جنيه.

وقال حميد إن اللحظة المميزة ستكون فعلا في أن يرفع مطرب أو ممثل مشهور العلامة الشهيرة أمام كاميرا بث حي مباشر، لكن مخاطر ذلك بالنسبة لشخص في هذا المنصب ستكون أكبر وأصعب بكثير، ولا يبدو أن أي مشاهير غير رياضيين على استعداد لتحمل مخاطرة كتلك، بغض النظر عن مشاعرهم الشخصية أو انتمائاتهم.

وأضاف حميد “الرياضة هي الأكثر طبيعية لأن شعبية اللاعب الشخصية لا أهمية لها على العكس من شعبية أداءه وأداء الفريق. والآراء المناهضة للانقلاب أو المناصرة لمرسي غير شعبية عمومًا، وبالتالي إذا كنت مطربًا أو ممثلًا مشهورًا أو أي شخص يعتمد في رزقه على شعبيته وسمعته الشخصية، يصبح الأمر أكثر خطورة بكثير”.

وعلى سياق أكبر، خارج عالم الشهرة والرياضة، توضح الواقعتان المثيرتان للجدل حقيقة قاسية لن تثير الاستياء إلا لدى معارضي الإخوان: فبالرغم من عدم تسامح السلطات تجاه أي أربعة أصابع مرفوعة، سواء كان ذلك من رياضي شهير أو طالب بالمدرسة، إلا أنه بات واضحًا أن تحية الأصابع الأربعة البسيطة أصبحت لها حياة مستقلة ولن تُنسى قريبًا، كما أن محاولات اختراع شعارات يد بديلة، منها الأصابع الثلاثة التي تمثل الاتجاه الثالث المعارض لحكم الجيش وحكم الإخوان، لم تنجح كثيرًا في اكتساب الشهرة”.

قال حميد “إن ما يثير الإعجاب في الأمر هو أن الإشارة أصبحت علامة مميزة، علامة رابعة حققت نجاحًا تسويقيًا حقيقيًا”.

وفي المناخ المشحون عاطفيًا حاليًا، أصبحت علامة اليد السريعة فعلا مخربًا وخطيرًا، شيئًا تهرع السلطات لقمعه إلا إنه يكتسب نفوذًا جديدًا مع كل محاولة لمحوه.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن