من فك أسر الجهاديين؟!
 
 

قرب نهاية شهر نوفمبر الماضي تلقت وسائل الإعلام دعوة إلى مؤتمر صحفي لوزير الداخلية “من أجل الكشف عن كافة التفاصيل المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية التي قامت الأجهزة الأمنية بضبطها مؤخرا”. وفي مستهل المؤتمر الصحفي  أعلن الوزير محمد إبراهيم عن ضبط “بؤرة إرهابية” تضم ٣٩ من “العناصر المتطرفة” التي كانت تخطط لعدد من الاعتداءات على الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية والكنائس. وأضاف الوزير أن هذه المجموعة تعد “من أخطر البؤر الإرهابية التي يتولى قيادتها تنظيمياً القيادي المُفرج عنه نبيل محمد عبدالمجيد المغربي…وتم الإفراج عنه خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.”

أثار تصريح الوزير باسم نبيل المغربي ـ ضمن عدد كبير من أسماء المشتبه بهم التي تم إعلانها في نفس المؤتمر ـ اهتماما خاصا، نظرا لأن المغربي كان قد اعتقل منذ عام ١٩٧٩ بموجب حالة الطوارئ التي كانت مفروضة وقتها ومنذ ١٩٦٧، ثم أدين بعد اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات قي قضية “تنظيم الجهاد الكبرى” رغم وجوده في المعتقل قبل عامين من عملية الاغتيال في ١٩٨١. وكان من المفاجئ بالتالي أن يصرح الوزير بأن الجهادي السابق الذي تجاوزالستين من العمر قد نجح في استئناف نشاطه وإعادة بناء علاقاته التنظيمية خلال شهور من الإفراج عنه بعد أكثر من ثلاثة عقود خلف الأسوار.

غير أن تصريح الوزير باسم المغربي اتخذ أهمية إضافية لأنها كانت المرة الأولى التي يصرح فيها مسئول رسمي ـ بشكل علني ومحدد وبعيدا عن التسريبات المجهلة والعبارات العمومية ـ باسم أحد الجهاديين المفرج عنهم بعد الثورة كأحد المتورطين في التخطيط لأعمال إرهابية. كما كانت هذه المرة الأولى على الأرجح التي يتم اتهام الرئيس المعزول مرسي مباشرة بالمسئولية عن الإفراج عنه، وأن تطرح بشكل واضح العلاقة المباشرة بين الإفراج عن الجهاديين والعمليات الإرهابية اللاحقة بما يدعم اتهام الإخوان المسلمين بأنهم أثناء وجودهم في السلطة دعموا التطرف الديني المسلح.

غير أن المشكلة في تصريح الوزير هي أنه جاء مخالفا للحقيقة.

فنبيل المغربي كان قد خرج من السجن في يوم ٥ يونيو ٢٠١١، أي قبل عام كامل من انتخاب مرسي رئيسا للجمهورية، وبموجب قرار بالعفو لأسباب صحية أصدره النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، المعين من قبل الرئيس الأسبق حسني مبارك حتى عزل الأول من منصبه في نوفمبر ٢٠١٢.

قد يكون تصريح الوزير خطأ معلوماتيا وقع فيه بشكل فردي وعابر. غير أن أي متابع لوسائل الإعلام على مدى العامين الماضيين لا يمكن له ألا يلاحظ التصريحات المتواترة للأجهزة الأمنية والتسريبات الإعلامية المتلاحقة حول مسئولية مرسي ـ ومن خلفه الإخوان المسلمون ـ خلال العام الذي قضاه في رئاسة الجمهورية عن إصدار قرارات غير مسئولة بالعفو الرئاسي عن مئات الجهاديين الذين كان مبارك قد ألقى بهم في السجون. وقد بدأ طرح هذا الاتهام في وسائل الإعلام على استحياء خلال الشهور الأخيرة من حكم مرسي، ولكن نبرة الاتهام أخذت في التصاعد وتزايد طرحه بإلحاح في الشهور التي تلت عزل مرسي من الرئاسة كدليل إضافي على تورط الإخوان المسلمين، التي جاء مرسي من بين صفوفها، في الهجمات والتفجيرات المتكررة التي شهدتها البلاد منذ أعلن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي عزل مرسي في يوليو الماضي. وقد نقلت معظم وسائل الإعلام هذه الاتهامات.  

ففي تقرير  نشرته وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية في ٣ ديسمبر، كتبه مدير مكتبها في القاهرة حمزة هنداوي، وتضمن تسريبات مبكرة “من مصادر عسكرية وأمنية” حول شروع أجهزة الأمن في التحقيق في صلات مرسي والإخوان بالتنظيمات الجهادية، ذكرت الوكالة نصا أن “الجنرالات الذين حكموا مصر لما يقرب من ١٧ شهرا بعد الإطاحة بمبارك كانوا قد أفرجوا أيضا عن إرهابيين مسجونين من بينهم محمد شقيق زعيم القاعدة أيمن الظواهري. غير أن وتيرة قرارات العفو تسارعت بشكل ملحوظ بعد تولي مرسي لمنصبه، حيث أصدر مرسي عقب توليه الرئاسة تسعة قرارات بالعفو، أفرج من خلالها عن قرابة ألفي شخص.”

قامت “مدى مصر” على مدى الأسابيع الماضية بتحليل البيانات الرسمية المتوافرة حول السجناء الذين أطلق سراحهم منذ أعلن مبارك تنحيه عن الحكم. ويظهر هذا التحليل صورة مختلفة جذريا. فبينما أصدر مرسي بالفعل قرارات بالعفو الرئاسي عن المئات، فإن أغلب من حصلوا على هذا العفو كانوا من المتظاهرين الذين تمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري. وقد أصدر مرسي بالفعل قرارات بالعفو عن بعض قيادات الجهاديين من المدانين في محاكمات متعلقة بالإرهاب، غير أن الغالبية الساحقة من قرارات الإفراج عن الجهاديين وغيرهم من الإسلاميين صدرت في فترة تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد بعد تنحي مبارك وتحديدا في الفترة من فبراير إلى أكتوبر ٢٠١١. وقد توصل تحقيق “مدى مصر” إلى أن مرسي قد أطلق سراح ٢٧ إسلاميا خلال عامه في الحكم، مقارنة بعدد من خرجوا في عهد المجلس العسكري وهو ما يزيد على ٨٠٠ سجين.

ما بعد مبارك..”صفحة جديدة”

عند تنحي مبارك في فبراير ٢٠١١ كان أغلب الإسلاميين المسجونين خاضعين لقرارات اعتقال إداري وفقا لحالة الطوارئ المفروضة دون انقطاع منذ اغتيال السادات.

كان هذا يعني احتجازهم وفقا لمدد مفتوحة دون اتهام أو محاكمة بموجب قرار من وزير الداخلية لاعتبارهم خطرا على الأمن العام. ووفقا لمنظمات حقوق الإنسان فإن أغلب هؤلاء المعتقلين الإداريين كانوا يطعنون على قرارات اعتقالهم ويحصلون على أحكام بإخلاء سبيلهم من محاكم أمن الدولة المنشأة بموجب لقانون الطوارئ ذاته، غير أن وزارة الداخلية كانت تسارع بإصدار قرار اعتقال جديد بحق هؤلاء دون إخلاء سبيلهم.

ورفضت الوزارة على الدوام كافة مطالب المنظمات الحقوقية وأعضاء البرلمان ووسائل الإعلام والأمم المتحدة بالإعلان عن العدد الإجمالي للمعتقلين بدعوى أن العدد يتغير طوال الوقت بسبب إخلاء سبيل بعض المعتقلين واعتقال آخرين جدد. وقبيل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ كان العدد التقديري لمعتقلي الطوارئ وفقا لمنظمات حقوق الإنسان والمحامين الإسلاميين يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف معتقل، أغلبهم من الإسلاميين.

في عام ٢٠٠٦ أدلى مساعد وزير الداخلية للسجون اللواء محمود وجدي بتصريح غاضب ردا على تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان ـ التابع للدولة ـ أشار إلى أن عدد المعتقلين السياسيين في مصر قد يصل إلى 25 ألف معتقلا. وقال مساعد الوزير في تصريحه التلفزيوني أن العدد الحقيقي “لا يتجاوز أربعة آلاف معتقل سياسي”.

وقبيل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، كانت تقديرات جماعات حقوق الإنسان والمحامين الإسلاميين لأعداد المعتقلين بموجب قانون الطوارئ تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف معتقل. وبينما ضم هذا الرقم عددا من قيادات التنظيمات الجهادية، فإن الغالبية العظمى منهم تم اعتقالهم بسبب كونهم مجرد أعضاء أو حتى متعاطفين خلال سنوات المواجهة بين الدولة والجماعات المسلحة طوال التسعينات. وبسبب عدم وجود أدلة على تورطهم في أي أعمال إجرامية فإن أجهزة الأمن اكتفت باعتقالهم إداريا دون تقديمهم للمحاكمة.  

بعد أقل من خمسة أعوام وجد اللواء وجدي نفسه وزيرا للداخلية في آخر حكومة شكلها مبارك برئاسة الفريق أحمد شفيق بعد اندلاع المظاهرات الغاضبة ضد النظام في أواخر يناير ٢٠١١. عندها أعلن وجدي عن سياسة جديدة للوزارة تقضي بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.

وقد بدت السياسة الجديدة – التي صدرت بناء على توجيهات علنية من شفيق وبمباركة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى حكم البلاد ـ وكأنها محاولة لتهدئة الشارع الغاضب والإيحاء ببدء عهد جديد فيما يخص سلوك الشرطة التي نالت جم غضب المتظاهرين في أيام الثورة على مبارك التي اندلعت في يوم عيد الشرطة.

فبعد أقل من شهر  على تنحي مبارك أصدرت وزارة الداخلية بياناً  ذكرت فيه أنه “استمراراً للسياسة الحالية لوزارة الداخلية والهادفة في أحد محاورها إلى فحص ومراجعة ملفات كافة المعتقلين السياسيين والجنائيين، وتأكيداً على حرص الوزارة على إحترام أحكام القضاء والمحافظة على حقوق الإنسان وصون حرياته الأساسية … قام قطاع مصلحة السجون منذ أول فبراير الماضى بالإفراج عن (عدد ٩٠٤ معتقل جنائى ، وعدد ٧٥٥ معتقل سياسى)”.

كان من الواضح أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين تم تنفيذه بناء على أوامر سياسية. مأمور سجن وادي النطرون في ذلك الوقت اللواء عدلي عبد الصبور مثلا ذكر في حوار  مع صحيفة الشروق في ٢٠١٣ أنه تلقى اتصالا من المسئولين بمباحث أمن الدولة عقب عودته للسجن بعد أسبوع من اقتحامه أثناء الأيام الأولى للثورة.

“أخطرونى خلالها بتسوية ملفات جميع المعتقلين السياسيين والإفراج عنهم جميعا، وبموجب ذلك أفرجت عن ٥ معتقلين سياسيين ظلوا فى السجن بعد اقتحامه، وسرى ذلك القرار على جميع المعتقلين السياسيين بمن فيهم قيادات الإخوان الذين هربوا” والذين كان من بينهم الرئيس السابق محمد مرسي.

وفضلا عن حملة العلاقات العامة والرغبة في الإيحاء ببدء صفحة جديدة، فربما كانت سياسة الإفراج عن المعتقلين السياسيين محاولة لتهدئة الأوضاع داخل السجون ومنع المزيد من عمليات الهروب، خاصة وأن عدد المسجونين الهاربين خلال شهري يناير وفبراير ٢٠١١ وفقا للتصريحات الرسمية كان قد تجاوز ٢١ ألف سجين (تم القبض على أغلبهم وتبقى منهم أقل من ثلاثة ألاف سجين لازالوا هاربين بحلول منتصف ٢٠١٣). كما أن الفترة التالية لعزل مبارك شهدت توافقا في المصالح بين المجلس العسكري من ناحية والإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية من ناحية الأخرى، حيث اعتمد عليهم المجلس العسكري في تهدئة الأوضاع في الشارع بسحب أنصارهم من الميدان وفي تأييد التعديلات الدستورية والاستحقاقات الانتخابية التي دفع بها الجنرالات خلال ما أطلق عليه “المرحلة الانتقالية”. وربما تكون الجماعات الإسلامية قد سعت في المقابل إلى إطلاق سراح أعضائهم وأنصارهم.

المحامي الإسلامي البارز منتصر الزيات قال لـ”مدى مصر” أن المجلس العسكري “كان في بداية تولية الحكم ضعيفا نسبيا ويلقى معارضة بارزة من القوى الثورية، مقارنة بالتناغم الذي ساد علاقته بالحركات الإسلامية. وفي تقديري أن إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين يجب فهمه في إطارهذا التناغم.”

“بإمكانك المغادرة”

محمد عبد الرحيم الشرقاوي كان أحد هؤلاء المعتقلين الذين أخلي سبيلهم بموجب السياسة الجديدة لوزارة الداخلية في ذلك الوقت. كان الشرقاوي، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والباكستانية، يعمل مهندسا للإلكترونيات في باكستان حين قامت السلطات الباكستانية باختطافه وترحيله قسرا إلى مصر عام ١٩٩٥، حسب تصريحاته لـ”مدى مصر”. وظل الشرقاوي معتقلا دون اتهام أو محاكمة بموجب قانون الطوارئ لمدة تزيد عن ١٥ عام قضاها متنقلا بين السجون المصرية ـ كان آخرها سجن الوادي الجديد سيئ السمعة في منتصف الصحراء الغربية ـ ويقول إنه تعرض للتعذيب عدة مرات خلالها أثناء التحقيق معه بمعرفة مباحث أمن الدولة ليعترف بصلاته بالجهاديين في أفغانستان وباكستان.

وحسب إفادة قانونية أدلى بها لمحاميه الحقوقيين بعد إخلاء سبيله حول خبرته في المعتقل قال الشرقاوي ـ الذي يقاضي الحكومة المصرية حاليا للحصول على تعويض نتيجه اعتقاله وتعذيبه ـ إنه لا يعلم حتى الآن سبب إخلاء سبيله بعد ١٥ عاما من الاعتقال تماما كما لم يعلم سبب القبض عليه في باكستان أو احتجازه في مصر.

قال الشرقاوي البالغ من العمر الآن ٦٣ عاما في إفادته “في يوم ١٧ مارس [٢٠١١] فجأة تم إطلاق سراحي. جاء الحارس إلى زنزانتي وأخبرني أن بإمكاني العودة لمنزلي. أصبت بالصدمة. بعد كل هذا الزمن قرروا أن بإمكاني المغادرة ولكنهم لم يشرحوا ماذا حدث أو يقروا بانهم ارتكبوا خطأ. فقط اصطحبوني وفتحوا البوابة وتركوني وسط الصحراء. حتى الأموال التي كانت معي أخذوها مني. كان علي أن أجد بنفسي طريقة للعودة إلى منزلي وأسرتي…أطلقوا سراحي دون حتى أن يعطوني ورقة تقول أنني قد أطلق سراحي.”

كان أمثال الشرقاوي من المعتقلين الإداريين مشكلة سهلة الحل أمام المجلس العسكري وحكومة شفيق. كل ما كان على شفيق ووزير داخليته وجدي أن يفعلوه حيال هؤلاء المعتقلين الإسلاميين كان فتح البوابات وأمرهم بالانصراف نظرا لعدم وجود أي تهم أو أحكام تبرر الإبقاء عليهم داخل المعتقلات. واستمرت هذه السياسة في عهد وزيرالداخلية منصور عيسوي الذي خلف وجدي في المنصب بعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة عصام شرف حين اضطر  الجنرالات لإقالة شفيق في مارس ٢٠١١ مع استمرار المظاهرات المعارضة لبقاء رئيس وزراء مبارك في الحكم بعد تنحي الأخير. ومع انقضاء حالة الطوارئ للمرة الأولى منذ فرضها قبل ٣١ عام في نهاية مايو ٢٠١٢ قرر المجلس العسكري عدم تمديدها، وقدر المحامون الحقوقيون عدد معتقلي الطوارئ وقتها ببضع مئات تم إخلاء سبيلهم بهدوء في الأسابيع التالية.

المحاكم العسكرية تمنح الإسلاميين فرصة ثانية

لكن المشكلة الأكبر التي واجهت المجلس العسكري تمثلت في العدد الأقل من الجهاديين الذين كانت قد صدرت أحكام قضائية بإدانتهم وسجنهم، بل وفي بعض الأحيان بإعدامهم شنقا دون أن يتم تنفيذ تلك الأحكام في إطار التفاهمات بين الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة التي أعلن أغلبها مبادرة لوقف العنف في نهاية التسعينات.

في بعض هذه الحالات أصدر النائب العام فجأة قرارات بوقف تنفيذ عقوبة البعض لأسباب صحية، كما حدث مع نبيل المغربي.

كما تمتع بالعفو الصحي المفاجئ كل من خيرت الشاطر وحسن مالك، القياديين بجماعة الإخوان المسلمين والمسئولين الأساسيين المفترضين عن تمويلها. ولم يعلن في أي من هذه الحالات عن المتاعب الصحية التي ألمت بهؤلاء المحكومين وبررت إطلاق سراحهم.

وسمح المجلس العسكري للبعض الآخر بتقديم تظلمات ضد أحكام كانت قد صدرت بسجنهم أو إعدامهم من محاكم الطوارئ أو من محاكم عسكرية (بعد محاكمات غيابية في الكثير من الأحيان) وهي تظلمات قبلها المجلس العسكري بسرعة ومنح مقدميها الحق في إعادة محاكمتهم وانتهت المحاكمات الجديدة عموما بتبرئتهم وإخلاء سبيلهم.

كان هذا ما حدث مثلا مع محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة، والذي كان حكم قد صدر بإعدامه غيابيا من محكمة عسكرية عام ١٩٩٩ في القضية التي عرفت باسم (العائدون من ألبانيا) بتهم التآمر بتنفيذ أعمال إرهابية والسعي لقلب نظام الحكم. وكان الظواهري قد تم القبض عليه في الإمارات حيث كان يعمل مهندسا عام ١٩٩٩، وتم ترحيله إلى مصر بعد أن قضى في سجون الإمارات قرابة أربعة أشهر. وفي عام ٢٠١١ تم إخلاء سبيله بعد أن سمح له فجأة بالطعن على الحكم ثم قررت محكمة عسكرية قبول طعنه وأمرت بإلغاء الحكم في يونيو من العام نفسه. وقد تم القبض على الظواهري مجددا بعد عزل مرسي وهو محتجز حاليا رهن التحقيق.

وعملت المحاكم العسكرية بنشاط طوال عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ فراجعت أحكاما قديمة وقبلت طعونا وأصدرت أحكاما بالبراءة على متهمين كانت قد صدرت أحكام بسجنهم أو إعدامهم عن محاكم عسكرية أيضا على مدى الأعوام العشرين الأخيرة من حكم مبارك.

وضمت “قائمة النجوم” أسماء مثل محمد شوقي الإسلامبولي من تنظيم الجهاد، وهو شقيق خالد الإسلامبولي الذي قام باغتيال السادات، ومصطفى حمزة القيادي في الجماعة الإسلامية والمحكوم عليه بالإعدام بتهمة التخطيط لمحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام ١٩٩٥، ورفاعي طه، وهو قيادي آخر بالجماعة الإسلامية حكم عليه بالإعدام غيابيا عام ١٩٩٢ في قضية (العائدون من أفغانستان) بتهمة الانتماء لتنظيم محظور والسعي لقلب نظام الحكم.

واللافت أن إجراءات إعادة المحاكمات العسكرية وتبرئة القيادات التاريخية للجهاد والجماعة الإسلامية استمرت أمام القضاء العسكري حتى بعد تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية وبالتالي بعد تولي عبد الفتاح السيسي منصب وزير الدفاع المسئول عن التصديق على كافة الأحكام العسكرية وصاحب سلطة إلغائها أو تعديلها أو الأمر بإعادة المحاكمة. فقد قامت وزارة الداخلية في أواخر نوفمبر ٢٠١٢ بإخلاء سبيل أحمد سلامة مبروك، أحد مؤسسي تنظيم الجهاد في السبعينات. ولم يكن لهذا القرار أن يصدرـ بعد مرور ثلاثة أشهر على تولي السيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة- أن يصدر دون موافقة مباشرة من السيسي شخصيا. وقد نشرت صحيفة الشروق في صفحتها الأولى يوم ٢٢ ديسمبر تقريرا  تضمن اقتباسات من مذكرة تحريات صادرة عن قطاع الأمن الوطني (الاسم الجديد لمباحث أمن الدولة في عهد مبارك) أشار إلى مبروك بوصفه قائد تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي أعلنن مسئوليته عن عدد من العمليات الإرهابية مؤخرا. وقد زعم التقرير – خطأ – أن مبروك حصل على عفو رئاسي من مرسي.   

قرارات عفو طنطاوي

بعد إطلاق سراح معتقلي الطوارئ وإعادة محاكمة وتبرئة القيادات المحكوم عليها، وجد المجلس العسكري في سجونه أكثر من مائة سجين ينفذون أحكاما نهائية غير قابلة للطعن.

صدرت أولى قرارات العفو الرئاسي في ١٠ مارس ٢٠١١ بتوقيع المشير حسين طنطاوي وزير دفاع مبارك الذي خلفه في الحكم كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وشمل القرار ٦٠ مسجونا جميعهم من الإسلاميين ووصفهم القرار بـ”المحكوم عليهم سياسيا” في اعتراف نادر من الدولة بتسييس محاكمات الإرهاب في عهد مبارك.

كان أشهر السجناء الستين الحاصلين على العفو بموجب قرار مارس ٢٠١١ الشقيقان طارق وعبود الزمر المحكوم عليهما في قضية اغتيال السادات، والمحسوبان وقتها ضمن أقدم السجناء الإسلاميين وأهمهم. وقد تداولت وسائل الإعلام قبل العفو عنهما رواية تقول إنهما رفضا الهروب من سجن ملحق مزرعة طرة أثناء الثورة مع غيرهم من السجناء الهاربين.

وصل إجمالي عدد السجناء المحكوم عليهم من الإسلاميين المعفو عنهم بقرارات من المجلس العسكري إلى ١٠٣ سجين، توزعوا على عدد من التنظيمات والقضايا ضم إلى جانب الجهاد والجماعة الإسلامية كلا من حزب الله المصري (غير مرتبط بالحزب اللبناني الذي يحمل الاسم نفسه)، وتنظيم الوعد، وتنظيم (الناجون من النار) وغيرها من المجموعات والخلايا الأصغر حجما والأقل شهرة.

وبإضافة هذا الرقم إلى عدد معتقلي الطوارئ السياسيين الذين أعلنت الداخلية إطلاق سراحهم في فبراير ويناير ٢٠١١ (والمرجح أن أغلبهم إن لم يكن جميعهم كانوا من الإسلاميين) وهو ٧٥٥ يصبح العدد النهائي للسجناء الذين خرجوا من السجون قبل تولي مرسي رئاسة البلاد ٨٥٨ سجينا. ولا يشمل هذا الرقم الجهاديين الذين حصلوا على قرارات بالعفو الصحي من النائب العام أو على أحكام بالبراءة من محاكم عسكرية بعد إعادة محاكمتهم.

قرارات عفو مرسي

مع وصول مرسي إلى سدة الحكم في مطلع يوليو ٢٠١٢ كان عدد الإسلاميين في السجون قد تناقص حتى وصل إلى أقل من  خمسين سجين وفق أغلب التقديرات من المحامين الإسلاميين.

وخلال شهور مرسي الأولى في الحكم، قبل أن تتدهور العلاقات تماما بينه وبين القوى الشبابية الثورية والمعارضة المدنية، قام  بتشكيل لجنتين رسميتين، تختص الأولى بتقصي الحقائق وجمع الأدلة بشأن مقتل وإصابة المتظاهرين منذ بدء الثورة في ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى نهاية فترة حكم المجلس العسكري في ٣٠ يونيو ٢٠١٢ بينما تقوم اللجنة الثانية بدراسة أوضاع المدنيين الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية بعد اندلاع الثورة.

كانت فترة حكم المجلس العسكري قد شهدت توسعا هائلا وغير مسبوق في عدد المدنيين المحالين للقضاء العسكري، حيث وصل العدد بحلول سبتمبر ٢٠١١ إلى ١٢ ألف مدني أغلبهم حوكم على ارتكاب جرائم جنائية والبعض الآخر تم القبض عليه في إطار تظاهرات متنوعة، فيما وصف بأنه محاولة من الجنرالات لردع مرتكبي الجرائم عبر تخويفهم من المحاكمات العسكرية المعروفة بإجراءاتها السريعة وأحكامها القاسية. وكان مطلب وقف إحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية وتصفية أوضاع المحكومين عسكريا منهم أحد أبرز مطالب التيارات الثورية خلال مرحلة الحكم العسكري، مرورا بحكم مرسي وحتى الآن.

اختار مرسي لرئاسة لجنة المعتقلين المستشار محمد أمين المهدي، القاضي المتقاعد والرئيس السابق لمجلس الدولة والذي كان قد شغل أيضا منصب قاض بالمحكمة الدولية الخاصة بجرائم يوغسلافيا السابقة، وهو نفسه الذي سيتم تعيينه بعد عام بالضبط وزيرا في حكومة الببلاوي التي تم تشكيلها بعد عزل مرسي من الرئاسة، ليتحول في مفارقة مدهشة إلى أشد المطالبين بضراوة بمراجعة كافة قرارات العفو التي أصدرها مرسي عن السجناء خلال فترة حكمه.

ضمت لجنة المهدي كلا من النيابة العامة والداخلية والقضاء العسكري وممثلين عن المجتمع المدني. وشرعت اللجنة في عملها فورا ورفعت توصياتها لمرسي الذي قبلها دون تعديل وأصدر قرارين في صيف ٢٠١١ بالعفو عن ٦٤٥ من السجناء المحكوم عليهم بعد الثورة.

وتجاوزت توصيات اللجنة لمرسي نطاق ولايتها الذي انحصر فقط في المدنيين المحكوم عليهم عسكريا، فاقترحت أيضا إصدار عفو عن بعض من كانوا لا يزالون قيد المحاكمة أو حكم عليهم من محاكم مدنية في القضايا المتعلقة بالمظاهرات والاشتباكات مع قوات الشرطة والجيش طوال فترة حكم المجلس العسكري. وإزاء هذه التوصيات الإضافية أصدر مرسي في أكتوبر قانون بالعفو الشامل عن الجرائم المرتكبة “بهدف مناصرة الثورة وتحقيق أهدافها في الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٢ فيما عدا جنايات القتل العمد.” وتنفيذا لهذا القانون أصدر النائب العام وقتها محمد عبد المجيد محمود قرارا في بداية نوفمبر بالعفو عن ٤٩٠ متهما من المتهمين في سياق مظاهرات وقت في عهد المجلس العسكري، كان أغلبهم من المتظاهرين المتهمين بالشغب في اشتباكات شارع محمد محمود قبلها بعام.

في الوقت ذاته كان مرسي يواجه أيضا توقعات التيارات الإسلامية التي أيدته دون تحفظ خلال حملته الانتخابية، والتي ازداد نقدها العلني لتراخيه في الإفراج عن السجناء من “الأخوة” بعد توليه الرئاسة. واستجابة لهذه التوقعات أصدر مرسي في ٢٦ يوليو ٢٠١٢ قرار العفو الرئاسي الوحيد عن إسلاميين خلال فترة توليه للرئاسة. وتضمن قرار مرسي الأكثر إثارة للجدل ٢٧ اسما منهم تسعة من قيادات الإخوان المسلمين المتواجدين خارج البلاد (بينهم سوري وسعودي). أما الثمانية عشر اسما الباقين فكانوا جميعا من الجهاديين المدانين في قضايا متنوعة من بينها محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا وتنظيم العائدين من ألبانيا.

غير أن الوضع السياسي كان قد تغير بعد تولي مرسي للرئاسة في ظل التخوف المجتمعي من سيطرة الإخوان المسلمين على أطراف الدولة وعلاقة جماعته بالتيارات الإسلامية التي مارست العنف في التسعينات ضد الدولة والأقباط والسياح وبعض المفكرين. ولذلك فإن قرار عفو مرسي عن إسلاميين تعرض لانتقادات علنية شديدة اتهمته بالتراخي في مواجهة الإرهاب إكراما لـ”أصدقائه”.

وتعلقت أبرز الانتقادات بقرار العفو عن أبو العلا محمد عبد ربه المدان باغتيال الكاتب فرج فودة عام ١٩٩٢، وهو القرار الذي أدانته بشدة ابنة فودة. كما أعلنت أسرة اللواء محمد عبد اللطيف الشيمي مساعد مدير أمن أسيوط السابق عن إقامة دعوى قضائية ضد تضمين قرار العفو لاسم عبد الحميد عثمان الشهير بـ”أبو عقرب” عضو الجماعة الإسلامية المدان باغتيال الشيمي عام ١٩٩٣.

ولعل هذه الانتقادات العلنية كانت السبب الأساسي في إحجامه عن إصدار أي قرارات عفو أخرى حتى ترك الرئاسة باستثناء ذلك القرار الوحيد.

لماذا الآن؟ وماذا الآن؟

في ٨ ديسمبر الماضي حين أصدر رئيس الوزراء حازم الببلاوي قرارا بتشكيل لجنة حكومية برئاسته لمراجعة قرارات العفو عن العقوبة أو تخفيفها التي أصدرها مرسي طوال العام الذي تولى فيه رئاسة الجمهورية وتقدير اتفاق هذه القرارات “مع الصالح العام” ورفع توصياتها لرئيس الجمهورية “لاتخاذ ما يراه محققا لصالح البلاد”. ومن المتوقع أن تعلن اللجنة عن توصياتها قريبا.

وفي إشارة إلى الحملة الحكومية الحالية لإلغاء قرارات عفو مرسي قال اللواء أحمد حلمي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن، في مقابلة  مع صحيفة الأهرام في ديسمبر الماضي: “فلا يخفي علي أحد أن من بين العناصر الإرهابية التي تم إطلاق سراحها من السجون باصدار قرارات العفو الرئاسي من الرئيس المعزول محمد مرسي والذين كان محكوم عليهم بالاعدام والأشغال الشاقة المؤبدة وهذا الافراج يعتبر قمة للدعم المعنوي لهذه المنظمات الارهابية والذي يعني قبول رب البيت لهذه العناصر ورضاءه عن نشاطها.”

قد يمكن فهم الحملة الحالية على أنها جزء من جهد رسمي أكبر يرمي إلى توضيح علاقة الإخوان المسلمين بالإرهاب وجهدهم لدعمه خلال وجود مرسي في الرئاسة.

وربما تجد الأجهزة الأمنية سهولة نسبية في تصوير قرارات الإفراج في السابق عن هؤلاء السجناء على أنها أخطاء قصدية ارتكبها نظام الإخوان، وليست قرارات صدرت عن القوات المسلحة أو القضاء العسكري، الذي يتحمل المسئولية في الواقع عن أكثر من ٩٠٪ من قرارات إخلاء سبيل الإسلاميين المسجونين في عهد مبارك.

اللافت أن جميع أسماء السجناء السابقين الذين اتهمتم مصادر أمنية بالعودة لممارسة الإرهاب خرجوا من السجون بقرارات من طنطاوي أو بأحكام من القضاء العسكري، بدءا من نبيل المغربي ومرورا برفاعي طه وأحمد سلامة مبروك وانتهاء بمحمد الظواهري. وعلى عكس التصريحات المتكررة من مسئولين أمنيين، فإن أيا من هؤلاء السجناء الذين أطلق سراحهم منذ عزل مبارك لم تتم إحالته للمحاكمة منذ خروجهم من السجن، كما لم يتم القبض على أي منهم بتهمة العودة لممارسة نشاطهم باستثناء المغربي والظواهري.

ولن يكون من السهل تطبيق نفس المنطق الذي أشار إليه حلمي مساعد وزير الداخلية ـ أن إطلاق سراح الجهاديين يمثل دعما للإرهاب ـ على السلطات العسكرية. كما سيجد وزير الدفاع والحاكم الفعلي للبلاد حرجا في إلغاء قرارات أصدرها سلفه طنطاوي، خاصة في ظل الإشارات المستمرة عن علاقة مودة واحترام خاص يربط الرجلين.

سؤال لماذا الآن طرحته “مدى مصر” على أحمد سيف الإسلام، المحامي الحقوقي بمركز هشام مبارك للقانون، وأحد ممثلي المجتمع المدني بلجنة المهدي التي أصدرت توصياتها لمرسي بالعفو عن السجناء في ٢٠١٢، فكانت إجابته المباشرة: “فتش عن الدولة العميقة”، في إشارة إلى الأجهزة الأمنية التي يرى مراقبون من بينهم سيف أنها عادت لتلعب دورا بارز خلف أغلب التطورات السياسية الحالية. ويعتقد سيف أن هذه الأجهزة ترغب فعلا في إعادة القبض على الإسلاميين البارزين الذين خرجوا من السجون في عهد مرسي، كجزء من رغبة أشمل في إلغاء كافة الآثار المتبقية من العام الذي قضاه مرسي في الرئاسة.

غير أن عادل رمضان، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يرى أن عقبات قانونية عديدة قد تجعل من المستحيل إعادة سجن مواطن صدر لصالحه قرار بالعفو عن العقوبة. يقول رمضان “حتى إن أصدر الرئيس المؤقت قرارات رئاسية بسحب أو إلغاء قرارات العفو التي أصدرها مرسي أو طنطاوي من قبله، فإن سلطة سحب القرار بسبب اكتشاف خطئه محدودة بمهلة قانونية لا يجوز أن تتجاوز ٦٠ يوما، وبعد هذه المدة تتغير المراكز القانونية للمواطنين الحاصلين على العفو من سجناء إلى مواطنين مطلقى السراح، وهو ما يعني عدم جواز تعديل هذه المراكز القانونية المستقرة بقرار من السلطة.”

ويضيف رمضان في مقابلة مع “مدى مصر” أن لجنة الببلاوي حتى لو أعلنت أن قرارات العفو السابقة لم تراع معيار “الصالح العام” ـ كما ينص قرار تشكيلها ـ فإن ذلك سوف يعني تطبيق هذا المعيار على قرارات العفو الصادرة مستقبلا. “سلطة الرئيس في إصدار قرارات العفو عن العقوبة في ظل كافة الدساتير والإعلانات الدستورية في السابق لم تكن مقيدة بأي شروط، وأي شروط جديدة يتم تقنينها الآن لن يجوز تطبيقها بأثر رجعي، لأن النصوص السارية وقت صدور قرارات العفو تفسر في صالح المسجون الحاصل على العفو.”

ويتفق رمضان وسيف وغيرهما من القانونيين على أن أي قرار بإعادة سجناء إلى السجن بعد حصولهم على العفو وإطلاق سراحهم لن يصمد في حالة الطعن عليه أمام القضاء، حسب تقديرهما. غير أنهما يتفقان أيضا على أن الظرف السياسي الحالي يجعل من الصعب استبعاد صدور أي قرارات حكومية أو حتى إجراءات تشريعية في إطار “الحرب على الإرهاب”.

فوفقا لسيف “ليس هناك مستحيل أمام السلطة الحالية”.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن