سعر الفائدة في مواجهة التضخم: هل يدرك صندوق النقد تضحيات المصريين؟
الصندوق يرجع التضخم لإقبال الناس على الشراء.. ومحللون: الإجراءات الاقتصادية المرتبطة بالقرض هي السبب
 
 
 
المصدر: Stephen Jaffe/IMF@ Flicker
 

خلال اﻷسابيع الماضية -وقبل أيام من وصول بعثته إلى مصر لإعداد تقرير عن مدى التزام الحكومة بالبرنامج المتفق عليه بينهما- أشار صندوق النقد الدولي إلى أهمية إبقاء مصر على سعر الفائدة مرتفعًا لمواجهة زيادة التضخم، إلا أن محللين تحدثوا لـ «مدى مصر» شككوا في قدرة ذلك الإجراء على التأثير على معدل التضخم ونوه بعضهم إلى آثار سلبية محتملة لذلك الإجراء، معتبرين أن الدائنين الدوليين هم من يستفيدون منه.

كانت مصر قد بدأت منذ منتصف 2014 في تنفيذ عدد من الإجراءات الاقتصادية ذات الأثر التضخمي سعيًا لاقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي -وهو الاتفاق الذي تم فعليًا في نوفمبر الماضي. وذلك عبر خطة تقشف مالي لخفض عجز الموازنة كان أبرز ملامحها فرض ضرائب جديدة، منها ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى تقليص دعم الطاقة. وعلى صعيد السياسة النقدية، وقبل أيام من الموافقة النهائية على القرض، رفع البنك المركزي سعر الفائدة 3% في مرة واحدة ليبلغ 14.75% للإيداع، و 15.75% للإقراض، وذلك في نفس يوم تحرير سعر الصرف، الذي أدى بدوره إلى انخفاض قيمة الجنيه في مقابل الدولار بأكثر من النصف. وفي الشهور اللاحقة وصل التضخم السنوي إلى أحد أعلى معدلاته التاريخية، ليبلغ 32.5% في مارس الماضي.

وفي بيان أصدرته خلال الشهر الجاري، قالت مدير عام صندوق النقد، كريستين لاجارد، إن مصر تقوم «بتنفيذ برنامج قوي للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى مساعدة الاقتصاد على العودة إلى مستوى يتناسب مع إمكاناته الكامنة وتحقيق معدلات نمو أعلى وخلق المزيد من فرص العمل. ونحن ندرك التضحيات والمصاعب التي يتعرض لها الكثير من المواطنين المصريين، وخاصة بسبب التضخم المرتفع. ويعمل الصندوق على مساعدة الحكومة والبنك المركزي للسيطرة على التضخم، كما يدعم الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل».

قبل أن تقول، خلال حديثها عن مصر في مؤتمر صحفي عقدته اﻷسبوع الماضي، إنه «من الواضح وجود سؤال يحتاج المواجهة بشكل رئيسي وهو التضخم. الإصلاحات الأخرى يجب أن تستمر، إلا أنه يجب أن يكون هناك تركيز على التضخم. أعتقد أن البنك المركزي ووزير المالية المصري كلاهما مدركين وينون، كما أتمنى، التعامل مع مخاطر التضخم التي يتحمل السكان أثرها».

في حين قال جهاد عازور، مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في الصندوق، خلال حديثه عن مصر في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع، إن «مستوى التضخم تخطى الـ 30% خلال الأشهر الماضية، وذلك مؤذي ليس فقط للاستقرار المالي بصفة عامة، لكن يؤذي أيضًا الاحتياجات الاجتماعية، وأصحاب الدخول الأقل، والقطاع الأفقر من السكان». مضيفًا: «في تلك الحالة، يكون استخدام اﻷدوات النقدية، وتحديدًا سعر الفائدة، هو اﻷفضل».

وعلى الرغم من الاتفاق على الخطورة الاقتصادية والاجتماعية لتسارع معدلات التضخم متخطية التوقعات الأولى لصندوق النقد الدولي، إلا أن المحللين الذين تحدثوا لـ «مدى مصر» اختلفوا مع رؤية الصندوق لقدرة الإبقاء على سعر الفائدة مرتفعًا على تخفيف تلك الآثار.

التضخم: مسؤولية من؟

من جهته، قال عمر الشنيطي، المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، لـ «مدى مصر» إنه «عادة ما يتم رفع سعر الفائدة كي يتم تقليص التضخم المدفوع من الطلب وليس التضخم المدفوع من العرض»، مضيفًا أن «القدرة على استخدام سعر الفائدة في التحكم في التضخم المدفوع من العرض على المدى القصير، هي قدرة محدودة. على سبيل المثال، رفع البنك المركزي بالفعل سعر الفائدة بنسبة 3% ومع ذلك تخطى التضخم نسبة الـ 30%».

مضيفًا أن التضخم «مدفوع بمجموعة الإجراءات التي تَمَت في نفس الوقت، وبالتالي عظمت من المعدل وفاقمت من أثره، سواء التعويم أو الجمارك التي تم فرضها أو رفع أسعار الطاقة. وبالتالي أتصور أن تأثير رفع سعر الفائدة على التضخم محدود».

كان وزير المالية، عمرو الجارحي، قد قال في حديث مع تليفزيون بلومبرج في فبراير الماضي، إن صدمات في العرض هي السبب وراء تزايد مستوى الأسعار العام وليس صدمات في الطلب.

فيما أوضحت رضوى السويفي، رئيس قطاع البحوث فى بنك «فاروس» للاستثمار، لـ «مدى مصر»، أن «التضخم بسبب الطلب هو أن يكون لدى الناس سيولة مالية، ويسعون وراء عدد قليل من المنتجات. وبالتالي إذا أقبل ألف شخص على سلعة واحدة، طبيعي أن يتسبب ذلك في زيادة التضخم. في تلك الحالة يتم رفع سعر الفائدة حتى يتم تشجيع الناس على الادخار وتقليل الشراء».

وأضافت أن التضخم في مصر حاليًا ليس مدفوعًا بتلك الحالة، معتبرة أن التعويم هو أحد اﻷسباب الرئيسية للأزمة التي تواجهها المصانع، التي تعتمد على استيراد غالبية مستلزمات الإنتاج، «سبب التضخم حاليًا هو أن المصانع تواجه ارتفاع في تكلفة الإنتاج فتمرر تلك التكلفة للمستهلك. وبالتالي، إذا تم رفع سعر الفائدة في ظل عدم إقبال الناس على السلع سوف تستمر الأسعار في الزيادة لأنها مدفوعة أصلًا بزيادة أسعار المعروض وليس أن الطلب أعلى من العرض».

وهو الأمر الذي اتفق معه الباحث الاقتصادي، محمد سلطان، الذي قال لـ «مدى مصر»، إن الاقتصاد يعاني من «ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج وتكاليف الاستيراد، بسبب أسعار الدولار المرتفعة ورفع الدعم عن الطاقة، والضرائب الجديدة مثل ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية، تلك هي مصادر التضخم التي لا ترتبط بفائض السيولة في أيدي الناس».

كان تقرير «بارومتر الأعمال» الصادر في مارس الماضي عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، قد أكد أن نشاط الأعمال في مصر تضرر من آثار تحرير سعر الصرف، وأضاف التقرير -الذي تناول أداء نشاط الأعمال في الفترة من أكتوبر إلى نهاية ديسمبر الماضي، بالإضافة إلى توقعات الشركات للفترة من يناير حتى نهاية مارس- أن القطاع الصناعي كان الأكثر تضررًا بين القطاعات الاقتصادية الأخرى محل البحث، حيث كان الأكثر تأثرًا بزيادة أسعار المواد البترولية ذات الأهمية في تكلفة الإنتاج. كما شهد القطاع أقل زيادة في معدلات التشغيل والاستثمار، وذلك «نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل ومدخلات الإنتاج والآلات والمعدات»، في ظل تراجع الاستهلاك.

فيما أشار سلطان إلى أنه «من المؤكد أن شعبًا أكثر من 30% منه تحت خط الفقر، وأكثر من 80% منه يكفي دخلهم استهلاكه بالكاد، لن يفاضل ما بين أن يأكل وجبة الغذاء أو أن يضع أموال الغذاء وديعة في البنك».

سعر الفائدة: الخاسر والرابح

في حين أكدت السويفي أن «الإبقاء على سعر الفائدة مرتفعًا، يرفع من التدفقات في أذون الخزانة والاستثمارات في المحافظ المالية».

قال سلطان إن «أسعار الفائدة المرتفعة هي عبء على المديونين، وبالتالي هي عبء على الحكومة المصرية»، مضيفًا أن «ما لا يقوله صندوق النقد، هو أن أسعار الفائدة ليست وسيلة لمكافحة التضخم إنما أداة لتعويض الدائنين عن التضخم».

وبحسب ما أعلنه البنك المركزي اﻷسبوع الماضي، بلغت تدفقات العملة الأجنبية إلى النظام البنكي المصري 19.2 مليار دولار، وذلك منذ تعويم الجنيه والاتفاق على قرض صندوق النقد.

وفي محاولة لتفادي الاقتراض المحلي بعدما زادت تكلفته، قررت الحكومة الأسبوع الماضي رفع حد الاقتراض من سندات دولية، من خمسة إلى سبعة مليارات دولار، وهي الخطوة التي تسمح للحكومة بطرح سندات دولية جديدة خلال العام الجاري. وكانت الحكومة قد اقترضت في شهر فبراير الماضي أربعة مليارات دولار من خلال سندات دولية.

ومن جانبه، اعتبر سلطان أن «الحكومة المصرية ليس لديها أي مشروع حتى تجعل متغيرات الاقتصاد تتحسن، ما قد يرفع من جدارتها الائتمانية تجاه الدائنين، هي لا تسيطر على عجز الموازنة بمعدلات ملحوظة ولا تحقق نموًا يتجاوز الـ 5 أو 7% وبالتالي يظل وضع الاقتصاد المصري ثابتًا، إن لم يكن إلى اﻷسوأ». مضيفًا: «في ذلك الوضع تزداد الحاجة إلى الاستدانة. ورفع سعر الفائدة هي وسيلة الحكومة الوحيدة لجذب الدائنين».

وقالت وزارة المالية في بيانها لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة إنها تتخوف من أن يؤثر تكرار الأزمات المالية العالمية وعدم استقرار الأسواق على قدرة مصر على الحصول على التمويل بتكلفة غير مرتفعة. وأضاف البيان المالي أن ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الأمريكية يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية من دول العالم ما يقلل فرص مصر في الحصول على تمويل بسعر فائدة مناسب.

بينما أضاف سلطان أنه في ظل سعيها إلى تعويض الدائنين عن التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، تلجأ الحكومة إلى «تقليص بنود أخرى من الإنفاق في الموازنة حتى يتم تحويل ما تم توفيره من بند الدعم إلى سداد مستحقات الدائنين».

وتشهد مصر ارتفاعًا سنويًا في نسبة التزاماتها من الفوائد من إجمالي المصروفات. كانت الحكومة قد قدرت أن التزاماتها من الفوائد ستصل إلى 292.5 مليار جنيه بنهاية العام المالي الجاري، أي حوالي 30% من إجمالي المصروفات. فيما كانت النسبة المدرجة في الحساب الختامي للعام المالي  2013/14 هي 24.6%، أي ما يعادل حوالي 173 مليار جنيه.

الشريحة الثانية من القرض: استمرار دائرة الفقر

في مذكرة بحثية صدرت خلال الشهر الجاري، توقعت شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة كفيلة بتخطيها مراجعة صندوق النقد الدولي المقبلة، وحصولها على الشريحة الثانية المقدرة بـ 1.25 مليار دولار.

وكان من المقرر أن تزور بعثة من صندوق النقد الدولي مصر في مارس الماضي، لإعداد تقرير حول مدى التزام الحكومة ببرنامجها المتفق عليه، إلا أن الزيارة تم تأجيلها إلى نهاية أبريل الجاري بسبب ارتباط الحكومة المصرية بإعداد الموازنة العامة للدولة، وذلك حسب تصريحات كريس جارفيز، رئيس بعثة الصندوق إلى مصر، في فبراير الماضي. وقتها أضاف جارفيز أن ذلك يعني تأجيل صرف الشريحة الثانية إلى نهاية يونيو بدلًا من الميعاد المتفق عليه، في مايو، وذلك بسبب حاجة البعثة إلى إعداد التقرير الخاص بها ورفعه لمجلس إدارة الصندوق وهي العملية التي تستغرق ما بين 6 و8 أسابيع.

وبينما قال تقرير كابيتال إيكونوميكس إن هناك تحديات مقبلة أمام الحكومة المصرية كي تُثبِت التزامها ببرنامج «الإصلاح الاقتصادي» المتفق عليه مع الصندوق، خاصة فيما يتعلق بخفض العجز في الموازنة، وهو الأمر الذي توقع مركز الأبحاث أن يثير توترات بين الصندوق والحكومة المصرية في المستقبل. قال الشنيطي إن المراحل المتبقية في تقليص دعم الطاقة سوف تؤدي إلى استمرار الركود وصعوبة السيطرة على التضخم.

ومن المنتظر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري اجتماعها الدوري يوم 18 مايو المقبل، كي تقرر موقفها من سعر الفائدة.

فيما يعتقد سلطان أن ما سبق من شأنه أن تستمر سياسة التقشف في تغذية نفسها بنفسها. «وبالتالي نجد أن بند الدعم يستمر في التقلص في مقابل التزايد في بند الدائنين»، معتبرًا أن «رفع أسعار الفائدة هو جوهر عملية تمييز وظلم اجتماعي مخفية داخل السياسة النقدية في مصر».

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن