“مدى مصر” في زيارة ميدانية لمدرسة القوات المسلحة الدولية
 
 

بسهولة شديدة عبرت البوابة الرئيسية لمدرسة بدر الدولية، دون الحاجة حتى لإظهار بطاقة تعريف، وذلك رغم وصولي إلى مقر المدرسة دون موعد مسبق.

كانت تلك هي العلامة الأولى على أن المدرسة الدولية المملوكة للقوات المسلحة، والواقعة في مدخل مدينة السويس، ليست صرحًا عسكريًا كما صورتها ردود الفعل المتهكمة على خبر دخول المؤسسة العسكرية إلى مجال التعليم.

المدرسة من الداخل تبدو عادية، بهوها الواسع تزينه لوحات طفولية، وإلى جوار العلم المصري الذي يعلو مكتب الاستقبال، يرتفع العلمان البريطاني والأمريكي، اللذين يمثلان نظامي التعليم المتوفرين بالمدرسة.

غير أن هذا الانطباع لا ينفي ارتباط المدرسة بالقوات المسلحة- المستمرة في الإشراف عليها- ولا تأثر الكثيرين من مديريها والعاملين فيها بالمؤسسة العسكرية، إذ يرون أن دورهم في المدرسة ليس تعليميًا فقط، بل هو دور وطني يحتم عليهم تحسين صورة الجيش، وإضافة أنشطة تنمي حِس الانتماء لدى الطلاب.

%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9

مدخل مدرسة بدر الدولية (By هبة عفيفي)

السخرية و”المؤامرة الأمريكية”

حين استقبلتني مديرة المدرسة، ماجدة وهبة، بادرتني بالشكوى من الهجوم الذي تعرضت له المدرسة في الفترة الماضية، وذكرت، بأسى، إحدى النكات التي تم تداولها تعليقًا على خبر “مدرسة الجيش”، وهي أنهم يستخدمون مُنظف “جنرال” لتنظيف أرضياتها.

تقول: “الجيش لم يبن المدرسة لخدمة نفسه، الجيش كان عايز يعمل خدمة للبلد، ويعمل مستوى تعليم مش موجود في أي حتة، ومش هيستفيد حاجة، ولكن مفيش أي تقدير”.

على الرغم من تبني المدرسة نظام تعليم أمريكيًا، إلا أن السيدة ماجدة ترى في الهجوم على المدرسة جزءًا من تآمر أمريكا على مصر، وهي النظرية التي فسّرتها بشكل مثير للتساؤل.

تقول مديرة المدرسة: “عندهم في أمريكا مُنجِّم كل تنبؤاته اتحققت، قال إن هييجي في بلد عربي رئيس بيقول إنه بيمثل الإسلام بس مالوش دعوة بالإسلام، وهييجي بعده رئيس اسمه مكون من جزئين متطابقين، قصده سي-سي، هيوحِّد الدول العربية ويوقع اقتصاد أمريكا”.

لم يبدأ الاهتمام الإعلامي بالمدرسة سوى مؤخرًا، تزامنًا مع زيادة وتيرة التهكم والاعتراض على دخول القوات المسلحة في بيزنس التعليم، وهو ما ترجمته مقالات رأي، وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي رأت أن الجيش لا يتمتع بالخبرة اللازمة لمثل هذا الأمر، أو نددت باتساع رقعة المجالات الإقتصادية التي دخلها الجيش مؤخرًا. إلا أن الحقيقة هي أن مدرسة بدر بدأت العمل بالفعل منذ العام الماضي، بعد افتتاحها مطلع مارس 2015، وأنها تستعد حاليًا لبدء عامها الدراسي الثاني.

كان اللواء أسامة عسكر، قائد الجيش الثالث الميداني السابق، قد أعلن في نوفمبر 2013 عن تصديق وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، على إقامة مدرسة دولية بمدينة السلام على مساحة 30 فدانًا، كبديل لأحد معسكرات الجيش، والذي تم نقله خارج كردون المدينة.

بداية متعثرة و”مستأجرون” جدد

تزامنت زيارتي للمدرسة مع زيارة ثلاثة من أعضاء مجلس إدارتها الجديد، والذين كانوا يستعدون لجولة بالمدرسة وسمحوا لي بالانضمام لهم.

اصطحبتنا إحدى موظفات العلاقات العامة عبر مباني المدرسة وصولاً إلى منطقة الرياضة، التي تضمنت حمام سباحة وعدة ملاعب لرياضات مختلفة، قبل أن يخبرني هشام عبد الله -الذي عرّف نفسه بـ “المدير المالي الجديد للمدرسة”- أن المجلس الجديد ليس مجرد إدارة للمدرسة ولكنهم، حسبما قال، بمثابة الملاك الجدد لكونهم قاموا باستئجار المدرسة من الجيش.

من جانبهم، رفض أعضاء مجلس الإدارة الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق بينهم وبين القوات المسلحة، والذي قالوا إنه سيتم الإعلان عنه في مؤتمر صحفي قريبًا.

فيما أكد الأستاذ عبد الله، المدير المالي، والأستاذة ماجدة، مديرة المدرسة، أن دور الجيش انتهى عند بناء المدرسة وتسليمها للإدارة المدنية، وأن تواجده بعد ذلك هو لمجرد “التأكد من أن كل شيء على ما يرام”، إلا أن ميادة باسم، وهي أم لطفلين يدرسان في مرحلتي الحضانة والابتدائي بالمدرسة، قالت لـ”مدى مصر” إن قائد الجيش الثالث الميداني كان يحضر اجتماع مجلس إدارة المدرسة شهريًا خلال السنة الدراسية الماضية، وإن شخصيات عسكرية كانت متواجدة بإستمرار للإشراف على العمل، غير أنها استدركت أنها لا تجد غضاضة في ذلك: “الجيش ماسك مصر كلها، هاجي أقلق عشان ماسك مدرسة؟”.

لم تكن السنة الأولى للمدرسة مثالًا للتميز والانضباط كما طمحت إدارتها. ولا ينكر العاملون بالمدرسة، من مدرسين أو إدارة، أن السنة الأولى شابها الكثير من العشوائية، ولكن الجميع يلقي باللوم في ذلك على مجلس الإدارة الذي اختاره الجيش، والذي تم تغييره الآن بالكامل، كما تم استبدال عدد كبير من المدرسين، ما جعل إدارة المدرسة وأولياء الأمور يطمحون في أن يكون العام الدراسي المقبل أكثر نجاحًا.

ميادة، ولية أمر الطفلين في المدرسة، تقول إن بعض المدرسين المعينين بالمدرسة في السنة الماضية كانوا غير مؤهلين، وكانت بعض الفصول بلا مدرس من الأساس،  كما كانت بعض المباني غير مكتملة.

في الوقت نفسه تظهر صفحة المدرسة على فيسبوك تواجدًا للجيش أعمق مما تصفه الإدارة.

يصف أحد القرارات المنشورة على الصفحة في مارس الماضي قائد الجيش الثالث الميداني بـ “رئيس مجلس إدارة المدرسة”، والذي قرر “إعفاء الدارسين الحاليين والمقيدين بالكشوف المدرسية لمدارس بدر الدولية للعام الدراسى 2015/2016 من سداد رسوم التسجيل عن العام الدراسى 2016/2017 ، على أن يتم تحصيلها من الطلبة الجدد فقط “، فضلًا عن تحديد أقساط المصروفات، وذُيل القرار بتوقيع عميد أ. ح. أحمد فتحي خليفة، قائد مدفعية الجيش الثالث الميداني. فيما تظهر عدة صور أخرى على الصفحة زيارة لمستشارة الرئيس للأمن القومي، فايزة أبو النجا، للمدرسة في مارس من العام الماضي، في صحبة عدد من القيادات العسكرية الذين يظهر بعضهم وهم يقومون بشرح بعض تفاصيل المدرسة لمستشارة الأمن القومي. وفي عدد من الصور الأخرى التي التقطت في الحفل السنوي للمدرسة في يونيو الماضي، يظهر عدد من الشخصيات العسكرية، بزيهم الرسمي، وهم يجلسون في الصف الأول للحضور.

تفسر السيدة ماجدة الأمر بأن الإدارة تدعو القيادات العسكرية للمناسبات “ذوقياً”، وتضيف أنهم يقضون بضعة دقائق قبل أن ينصرفوا “لانشغالهم بمسئوليات أخرى”.

%d9%81%d8%a7%d9%8a%d8%b2%d8%a9-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ac%d8%a7-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d8%af

فايزة أبو النجا خلال زيارتها للمدرسة. (Courtesy صفحة مدرسة بدر الدولية على فيسبوك)

“صانع القرار الأول”

على الرغم من إصرارها على عدم تدخل القوات المسلحة بالإدارة، لا تخفي السيدة ماجدة أن السبب الأساسي لعملها بالمدرسة هو “خدمة الجيش” وهو ما ترى فيه دورًا وطنيًا، وتضيف: “عايزين نثبت إن الجيش لما بيعمل حاجة بيعملها صح، ونورّي إن مصر تقدر توصل لمستوى عالمي في التعليم وتوصل للصدارة”.

تشاركها هذا الشعور غادة حسن، مديرة قسم اللغة الألمانية والمدربة الحياتية بالمدرسة، تقول: “أنا شغالة هنا عشان تبع الجيش، حاسة إن أنا باخدم بلادي، مش حاسة إني باخدم مصلحة مالك المدرسة زي الأماكن الأخرى، ولكن حاسة إني بابني حاجة وباغيّر التعليم في مصر”.

أما بحسب الموقع الرسمي للمدرسة، فقد كانت “هدفًا للقوات المسلحة ﻷعوام واﻵن يتم تطبيقه بنجاح بواسطة صانع القرار اﻷول والمشرف نفسه، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”، كما يضيف التعريف أن المدرسة “تتبع بفخر أخلاق القوات المسلحة من أجل تمهيد الطريق لطرق تعليمية أرفع لكل طلابنا”.

فيما تؤكد ماجدة أن المدرسة، بجانب الدراسة، تعمل على تنمية الوطنية، من خلال عدة أدوات مثل تنظيم رحلات لجميع معالم مصر.

%d8%af%d8%a7%d8%ae%d9%84-%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9

داخل مدرسة بدر الدولية (By هبة عفيفي).

“أجانب بيحبوا مصر”

رغم الحس الوطني الذي يقول المسئولون عن المدرسة إنهم يطمحون لبنائه في الطلاب، إلا أن الأستاذ هشام والسيدة ماجدة أبديا الكثير من الفخر لتواجد خبرات أجنبية بين العاملين في المدرسة، فضلا عن التباهي بأن كثيرا من أعضاء الفريق المصريين تعلموا وعملوا في الخارج. ولكن السيدة ماجدة استدركت مؤكدة أن العاملين الأجانب بالمدرسة أيضًا تم اختيارهم “بيحبوا مصر”.

وبالفعل أكدت نادين بوستامانتيه، الأمريكية الجنسية، والمعينة ضمن الفريق الجديد كمديرة لمرحلة الحضانة، أنها تحب الرئيس السيسي أكثر مما تحب رئيس بلدها.

“أتمنى أن يقوم جيشي بما يقوم به الجيش المصري من أجل الشعب؛ فهو لا يحميه فقط ولكنه اهتم أيضًا أن يقدم له تعليما بمستوى عالي، وفي مقدرته المالية”، تقول بوستامانتيه، رغم أن الآراء المعارضة للمدرسة تضمنت تعليقات على كون المصروفات الدراسية -التي تبدأ من 20 ألف جنيه لمرحلة الحضانة، بحسب الموقع الإلكتروني للمدرسة- خارج متناول الشريحة الأكبر من الشعب.

وتقول بوستامانتيه كذلك إنها سعيدة لاتخاذ الجيش خطوة للوراء في دوره بالمدرسة هذا العام، تاركًا الأمر للمتخصصين في التعليم، وذلك مع انبهارها بجلال الخدمة التي أداها الجيش ببناء المدرسة، التي تؤكد دورها في تنمية وطنية التلاميذ.

“يجب أن نظهر لهم ما تقدمه لهم بلدهم حتى نضمن أنهم حتى إذا تركوا البلد سيعودون مجدداً، يجب أن يتعلموا أن يفخروا بما لديهم”.

اعلان
 
 
هبة عفيفي 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن